نجاد على خطى عبد الناصر

TT

كانت طموحات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خارجية وكبيرة، فكان أهم داعم إقليمي للحركات الثورية في العالم العربي وإفريقيا. سياسته تلك استنزفت مقدرات مصر، وخُتمت بمأساة شخصية وقومية في كارثة هزيمة عام 67، تلتها مظاهرات طلاب الجامعات التي تطالب بإقالته. صحيح أنه قمعها لكنه اضطر إلى تبني سياسة مغايرة، فتخلى عن حروبه الخارجية، وعاش نحو أربع سنوات مسالمة.

اليوم يواجه أحمدي نجاد، في أربع سنواته الجديدة في حكم إيران، وضعا مشابها. سياسته تقوم على المواجهة الدولية عسكريا في دول منها أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين واليمن، أما نشاطات النظام غير العسكرية فمنتشرة في أنحاء الكرة الأرضية، وفي الوقت ذاته تعاني إيران عجزا ماليا، واليوم تضاف إليه نقمة داخلية، وتكتل دولي خارجي ضدها. ولو استمر نجاد يستند إلى جدار داخلي صلب يؤيده ربما يستطيع إكمال مشروعه السياسي ببناء إيران كقوة إقليمية كبرى لكن الأحداث الأخيرة جاءت لتذكرنا بما حدث لقوى عالمية وإقليمية استنزفت مواردها الداخلية في مشاريع سياسية خارجية عجزت عن إكمالها وانعكست عليها داخليا.

ما يفعله نجاد هو ما حاول فعله عبد الناصر، فطموحاته أكبر من ميزانية بلاده ومن قدراتها، وعليه أن يختار بين إطعام سبعين مليون إيراني، أو التصرف وشن الحروب كدولة عظمى. عبد الناصر كانت تصله أنباء انتقادات المصريين، لكنه كان يكابر ويراهن على النصر قبل الإفلاس.

في أكتوبر عام 61 عقد عبد الناصر اجتماعا لمراجعة خسائر فشل مشروعه بالوحدة مع سورية، ورد في محضر الاجتماع أنه قال: «الناس تظن إننا نصرف ملايين الجنيهات في سبيل التعاون العربي والعمل العربي.. وهذا كلام غير حقيقي، فإن ما كنا نعطيه لسوريا سنويا هو مبلغ 2.5 مليون جنيه فقط». صحح له عبد المنعم قيسوني قائلا بأن «سوريا مدينة لنا بمبلغ 9 ملايين جنيه، وإذا أضفنا على هذا مبلغ الإعانة فتكون مدينة بمبلغ 13 مليون جنيه». فرد عليه عبد الناصر: «العملية لم تكن تفريغ خزائن مصر في سوريا». واستمر يدافع عن سياسته ضد انتقادات الناس «بالنسبة للعلاقات الإفريقية لم نعطِ معونات أو بقشيشا للدول الإفريقية، لقد أعطينا قروضا لبعض هذه الدول مثل الصومال وغينيا ومالي، وهذه القروض تعطى لكي تستطيع أن تنافس أمريكا وإنجلترا وفرنسا في أسواقها التجارية»!

الرئيس عبد الناصر استطرد مدافعا: «هناك إشاعة تقول بأن نصف أموالنا توزع على الدول العربية والنصف الآخر يوزع على البلاد الإفريقية، هذا كلام لا أساس له من الصحة.. أما بالنسبة لما نعطيه للجزائر فهو مبلغ مليوني جنيه سنويا، ولم نستطع تحويلها لهم بالدولار أو بالإسترليني، وقلنا نعطيها لكم أسلحة وبضائع. كل الكلام الذي يقال الغرض منه إشعار الناس أن أموالهم تضيع هباء، وهذا غير حقيقي».

الحقيقة أنه كان يفرغ خزائن حكومته لإرضاء طموحاته الخارجية، وهذا ما قاد للكارثة أمام إسرائيل لاحقا، حيث كان الجيش أيضا يعاني من نقص الإمكانيات. إنها صورة قريبة لما يمارسه النظام في إيران، محاصر اقتصاديا ولا يبالي فيضيع أمواله هباء على نشاطات عسكرية وسياسية في عشرات الدول في أنحاء العالم.

[email protected]