معجزة الهرم الأكبر

TT

 بعد مرور أكثر من سبع سنوات على أعمال البحث عن أسرار هرم الملك «خوفو» ـ أعظم الأهرامات المصرية التي يبلغ عددها الآن 123 هرما خاصا بملوك وملكات مصر الفرعونية من الدولة القديمة حتى الدولة الوسطى ـ نبدأ في استئناف العمل والبحث من جديد في أسرار هرم الملك «خوفو»، وذلك من أجل معرفة المزيد عن بناء الهرم. وقد شرحنا في المقال السابق بعض ما جرى داخل الممرات الموجودة بالحجرة الثالثة العلوية بالهرم، التي يوجد بها التابوت الجرانيتي.. وتعرف هذه الممرات باسم «فتحات التهوية».

وبعد أن انتهينا من العمل في هذه الحجرة، قمنا بالنزول في العام التالي للبحث في أسرار الحجرة الثانية، وهي التي أطلق عليها العرب عندما جاءوا إلى مصر تسمية (حجرة الملكة). والمعروف مما تركه المؤرخ المقريزي أن الخليفة المأمون بن هارون الرشيد عندما جاء إلى مصر في القرن الرابع عشر الميلادي حاول ومعه جنوده دخول الهرم، ولم يستطيعوا العثور على المدخل الأصلي الشمالي للهرم؛ ولذلك بدأوا في حفر مدخل جديد تصادف أنه يقع أسفل المدخل الأصلي مباشرة، الذي اكتُشف فيما بعد. وبعد جهد وعمل شاق استمر شهورا عديدة، استطاع جنود المأمون دخول الهرم، وعرفنا من الروايات القديمة أنهم عثروا على مومياوات ملقاة داخل سراديب الهرم، ولا يزال مدخل المأمون هذا هو المستخدم من قبل زوار الهرم للدخول إلى هرم الملك «خوفو»، وإلى يومنا هذا..

وعندما دخلت الحجرة الثانية مع صانع الروبوت الألماني رودلف جانتنبرنك، شعرت أن هذه الحجرة تحمل العديد من الأسرار، فهي أولا حجرة لا يمكن أن تكون خصصت للدفن إطلاقا، نظرا لصغر حجمها، وكذلك لوجود نيشة أو كوة في جدارها الشرقي، يعتقد بعض علماء الآثار أنها كانت تحتوي على تمثال خاص بـ«الكا»، أي (بروح الملك). وقد دخلت هذه الكوة، ولم أستطع الوصول إلى آخرها، ولكن من وضعها وشكلها لا أعتقد أنها كانت تحوي تمثالا للملك، أو ما يعرف بتمثال «الكا»، أو «الروح»؛ بل أعتقد أن هذه الفتحة، أو هذه الحجرة هي التي تحمل أسرار هرم الملك «خوفو»، وأن هذا المكان هو مكمن الأسرار، وأن بناءها ربما جاء بغرض إخفاء المكان الحقيقي لدفن الملك «خوفو»، أو ربما كان سرا من أسرار عصره التي لا نعرفها.. وهنا أود أن أشير إلى عبقرية «خوفو»، فلم يكن بالملك العادي، فقد استطاع مع ابن عمه الأمير والمهندس العبقري «حم إيونو» أن يبني هرمه، بعد أن تعلم «حم إيونو» الهندسة المعمارية وأسرار البناء من أبيه المهندس «نفر ماعت» الذي بنى أهرامات الملك «سنفرو» أبي الملك «خوفو» في دهشور، ومنها الهرم الجنوبي المسمى بـ«الهرم الأحمر»، أو الهرم المنحني، وذلك نتيجة تغيير زاوية البناء في الثلث الأخير من الهرم، ولا يزال محتفظا بالكثير من أحجار الكساء الخارجي، وله معبد صغير في الشرق، وكذلك له معبد بالوادي. كان هذا الهرم يمثل آخر مراحل التجريب وبناء أهرامات حقيقية، بعدها تمكن المهندس المعماري من أدواته وعلومه، وأصبح في استطاعته بناء هرم الحجم صحيح الزوايا، وهو ما تحقق في عصر الملك «سنفرو» بعد مرحلة الهرم المنحني الذي يعتبر أحد أسرار الحضارة المصرية، ولا يزال محتفظا بالكثير من أسراره التي، بلا شك، يعلمها جيدا الأمير «حم إيونو» الذي قرر أن يبني لملكه وابن عمه ـ خوفو ـ معجزة أكبر من معجزة أبيه. وعندما ندخل إلى داخل الهرم المنحني ونصعد إلى حجرة الدفن بأعلى الهرم، نجلس قليلا بعد ذلك؛ فنحس بدخول هواء بارد من مكان غير معروف، ويكون الانطباع هو وجود حجرة مخفية داخل هرم الملك «سنفرو» أبي الملك «خوفو»..