خواطر ما بعد إيران: سماهم الأغفال

TT

يدعي الكثيرون أنهم تعلموا من التاريخ، واستخلصوا الأمثولات. هراء. كيف تتعلم من كائن ـ أو بالأحرى مُكوَّن ـ لا تعرف عنه شيئا؟ لذلك، وبسبب جهلك المطلق وغرورك الأغفل. ماذا؟ نعم، صحيحة في اللغة. راجع ابن خلدون، كان يسميهم الأغفال. وماذا تريد أن يسميهم؟ لا. لن يفعل. رجال العلم مؤدبون، بعكس رجال الجهل.

لم يتعلموا من التاريخ شيئا. لماذا؟، لأنه ليس أستاذ مدرسة، ولا هو يملك الوقت لإضاعته على إنسان يرفض أن يتعلم شيئا. هل سمعت بالاشتراكية «العلمية»؟ كيف تكون علمية وتستخدم تعابير مثل «حتمية التاريخ»، وحتمية الانتصار، وحتمية الهزيمة، وحتمية الحرب، وحتمية السلام؟

إنه يحاول ـ التاريخ ـ أن يعلمنا منذ اللحظة الأولى أن لا حتميات في الأمر، فيما عدا الحياة والموت. الباقي لائحة طويلة بالأسماء ومستودعات للهياكل العظمية: تيمورلنك، والإسكندر، ونابوليون، وادولف، وبنيتو، ولينين، وستالين، وأفلاطون، وأرسطو، وشكسبير، وروبرت كينيدي، وسرحان سرحان، وماركس. كارل ماركس.

حتميات ايه؟ منذ وعيت وأنا أرى الدنيا صراع ديكة مكسيكية، أي غبية. صفِّق لها فتتقاتل حتى الموت. يسقط ريشها وتستمر في القتال. تدمي ويتساقط لحمها وتستمر في القتال. لماذا؟ لأن هناك من يصفق لها ويحرضها على نفسها وعلى روحها. وهي، ما هي؟ إنها ريش منفوخ وملون وعِرف أحمر متعال، فوق رأس فارغ. لو كان الرأس تحت العرف الأحمر يفكر قليلا، لانتبه إلى أنه مجرد ديك فوق حلبة، وأنه محاط بسكارى وساديين ورؤوس فارغة لا أعراف حمراء لها.

في عام 1960 أجرى العالمان غابرييل الموند، وسيدني فيربا ثلاثة آلاف مقابلة، حول العالم، لتحديد أنواع الفكر السياسي التي تحكم العالم. تبين لهما أن المواطن في ألمانيا الغربية وإيطاليا شريك أو مشارك في النظام، أما في المكسيك، فهو لا ينتمي إلى وطن، بل إلى قرية أو بلدة، ولا يكنَّ أي اعتزاز بالدولة. وفيما ينخرط الأوروبي في مشاريع التنمية والتطوير والرقابة السياسية، ينصرف المكسيكي، بلذة فائقة، إلى الخمول والتمتع بصراع الديكة. هل يفسر ذلك أن نصف المكسيك هربت إلى جارتها الأميركية بحثا عن عمل وضمان وحياة أفضل؟ لا أدري. لست عالما اجتماعيا، أو بالأحرى لست عالما على الإطلاق. لماذا هذا الفارق المريع بين دولتين متحاذيتين، واحدة صارت على أبواب المريخ، وأخرى على أبواب دائرة الهجرة الأميركية بإلحاح ودون انقطاع؟ لا أدري. كل ما أذكره أن جدي سافر إلى المكسيك، فعمل بائعا جوّالا على حصان. وعندما جاء إلى أميركا وجد عملا في مصنع لشركة «بويك». لا أدري. المسألة ليست جدي. المسألة هي الفارق بين المكسيك والولايات المتحدة.

إلى اللقاء.