أرجوك يا بابا طلقها

TT

قال لي رجل شرطة أعرفه:

لقد قبضنا قبل يومين على شاب وجدنا في جيبه حبّتين مخدرتين للهلوسة، فاحتجزناه، واتصلنا بوالده للحضور للقسم لكي نخبره ونتخذ الإجراء اللازم لمعاقبة الابن.

وعندما حضر الوالد العجوز، أعلمناه بما حدث، فغضب وطلب منا أن نريه الحبتين، فأعطيناه إياهما، وتفاجأنا به يقول لنا: من أجل هاتين الحبتين الصغيرتين أنتم تحتجزون ابني؟!

قال ذلك، ثم قذف فجأة بالحبتين داخل فمه وابتلعهما أمامنا جميعا وسط ذهولنا، وأصبحنا في ورطة، هل نحتجز الابن أم نحتجز ذلك العجوز الجاهل الأحمق؟!

وأخيرا استقر رأينا على الإفراج عن الاثنين مع أخذ تعهد على الابن، وتحذير للأب بعدم تكرار فعلته هذه، وخرج العجوز من القسم وهو «يترنح» مستندا على ابنه.

* *

التعصب «الكروي» واقع حقيقي ومنتشر في كل بلاد العالم، ويقال إن ذلك التعصب الذي وصل في مصر إلى مرحلة «الهوس»، ازداد بعد إلغاء الأحزاب السياسية هناك عند قيام حركة 23 يوليو التي دفعت الناس أكثر لتتشبث كل فئة بناديها، وكأنه حزبها الذي يسعى إلى مصالحها.

كل ذلك مفهوم ومهضوم، لأن الإنسان بطبعه مجبول على الحماسة لرمز يتخيل أنه ينتمي إليه، ومن خلاله يحقق انتصاراته التي لم يستطع تحقيقها في ميادين القتال الحقيقية.

أقول: كل ذلك مفهوم ومهضوم ومبرَّر كذلك، ولكن كيف نفهم ذلك التصرف من شيخ معمَّم، وإمام مسجد كبير في تونس؟ كيف نفهم تخصيص خطبته بكاملها في صلاة يوم الجمعة لشن حملة على فريق الترجي لكرة القدم، لأنه الغريم الأزلي للنادي الأفريقي الذي يشجعه الشيخ الإمام، وفي نهاية الخطبة الحماسية، أخذ يدعو على الترجي قائلا: اللهم أخرجهم من الدوري، اللهم أبعد عنهم كأس البطولة، اللهم اجعل الهزائم تتوالى عليهم، يا رب العالمين، والمصلون من خلفه يرددون: آمين، آمين. وبالصدفة هُزم الترجي في اليوم الثاني، فما كان من إدارة الفريق إلاّ أن ترفع شكوى في المحكمة ضد ذلك الإمام، لأن دعواته تلك هي التي سببت الهزيمة للفريق.

وهذه الحادثة ذكرتني بما رواه أحد أقاربي عندما قال: كان ابني البالغ من العمر ثمانية أعوام مشجعا متعصبا لفريق الهلال، وفي ذلك اليوم كانت ستقام مباراة بين الهلال والنصر، وقبل المباراة تظاهرت الأم مازحة أنها تشجع النصر، وأخذت «تحارش» الولد وتتحداه وتدعو بفوز النصر.

وتفاجأت بابني يحتقن وجهه، ثم ينفجر باكيا وهو يصرخ بي ويشير لوالدته بغضب قائلا: طلقها، طلقها، أرجوك يا بابا طلّقها.

عندما سمعت قريبي يحكي لي ذلك، ضحكت وقلت له: ليه ما استغليتها فرصة يا غبي؟!

[email protected]