حلقة مهمة!

TT

السعودية أعلنت بقوة وهدوء عن الأحكام القضائية بحق 330 متهما في 179 قضية إرهاب تنظيم القاعدة وأمن الدولة. وصدرت الأحكام من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة التي أنشئت خصيصا للتعامل مع هذه النوعية من القضايا. وتنوعت التهم الموجهة للعناصر المتهمة، لتشمل الانتماء للمنظمات الإرهابية، والتورط في أنشطتها، والاتصال والتعامل والتنسيق مع جهات خارجية تسعى للتآمر على الأمن الوطني، إضافة إلى دعم وتمويل حركة الإرهاب، والخروج عن طاعة ولي الأمر والافتئات عليه بالذهاب إلى مواطن الفتنة للقتال فيها أو الشروع في ذلك. وكان لافتا «تنوع» الأحكام القضائية الصادرة ما بين حكم بالحرابة وأحكام بعقوبة السجن، وأخرى عقوبات مالية وغيرها بالمنع من السفر أو تحديد الإقامة الجبرية. وجاءت هذه الأحكام المهمة كفصل جديد في نهج السعودية الناجح في التعامل مع أحد أهم التحديات والتهديدات الأمنية التي واجهتها. فاليوم لم يعد سرا الحديث عن النجاح الهام جدا الذي تحقق من قبل وزارة الداخلية في حربها على الإرهاب، وهو النجاح الذي بات يحظى بالإشادة من الكثيرين من المراقبين والمسؤولين الأمنيين حول العالم. فالأسلوب الذي سلكته الداخلية السعودية كان أسلوبا مستحدثا إلى حد كبير، اعتُمد فيه أكثر من محور فعال. فالأول كان محور المواجهة الأمنية الرادعة، والانتقال بعد ذلك إلى الهجمات الاستباقية الفتاكة التي ساهمت في كسر الخلايا وتحطيم التواصل بينها، وطبعا بالتالي إضعاف فرص فعاليتها .

وكان محور تتبع الخيوط المالية لدعم وتمويل هذه الخلايا مستمرا، وأدى إلى كشف العديد من الأسماء والمؤسسات التي كانت غطاء لهذا الدعم الشيطاني. ومع هذا الجهد كله كان مسار المناصحة قائما في محاولة احتضان الكوادر الصغرى التي غُرر بها في هذا التنظيم، وتمت مراجعة أفكارهم مع مجموعة من الإخصائيين الشرعيين، وكانت نسبة نجاح هذا البرنامج عالية جدا بشهادة مصادر مستقلة. واليوم مع صدور هذه الأحكام تغلق الدائرة، وتكتمل عناصر نجاح الحملة على الإرهاب حتى الآن، وطبعا المهمة لم تنته حتى الآن. وأتذكر محادثة تلفونية أتت لي من إحدى مراسلات صحيفة أمريكية معروفة وهي تسأل «لماذا تخاف الحكومة السعودية من إصدار أحكام بحق المتهمين في قضايا الإرهاب؟» فأجبتها «ولماذا افتراض الخوف؟ السعودية تتعامل مع هذا الملف الشائك بحكمة وتتعمد استكمال الأدلة والعمل على الإمساك بالسمك الصغير ليقودها إلى الأسماك الأكبر». منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت السعودية في دائرة الاتهام بقوة، وتحملت الهم الأكبر في التصدي لسلسلة لا نهاية لها من الافتراءات والتهم، ومع ذلك كانت تقوم ببرنامج جوهري ومن الممكن وصفه بالتاريخي، في التصدي للفكر الإرهابي سواء بالتصدي لخطب التطرف في المنابر وتزكية فكر الحوار مع الآخر والانفتاح على العالم بأضخم برنامج ابتعاث تعليمي من نوعه، وغيرها من الأفكار والقرارات التي من الممكن أن تؤثر بالإيجاب على المناخ الثقافي بالسعودية، وبالتالي تخفف من فرص انتشار الفكر المتطرف. نعم لا يزال المشوار طويلا وشائكا في القضاء على الإرهاب، ولكن الأحكام الجزائية الأخيرة تأتي كحلقة مهمة في هذا الطريق لتأكيد حكم القانون وتنفيذ العقوبة بحق المخالف.

[email protected]