الله حي.. الله حي

TT

سألني: هل تحتفل بعيد المولد؟!

ظننته لأول وهلة يسألني عن الاحتفال بعيد ميلادي الشخصي، لهذا أجبته ببيت شعر لكامل الشناوي القائل:

عدت يا يوم مولدي / عدت يا أيها الشقي.

ثم أكملت كلامي قائلا: إنني لا أحتفل بعيد ميلادي على الإطلاق فليس فيه ما يفرح ويسر، بل إن فيه (ما يفقع المرارة) وأكثر، كما أنني لا أحضر أعياد ميلاد الآخرين، اللهم إلا مرات قليلة تعد على الأصابع، وذلك عندما حضرت عدة أعياد لبعض الفتيات اليتيمات، في بعض البلاد والمناسبات والتواريخ المختلفة، طلباً للمثوبة والأجر لا أكثر ولا أقل.

قال: إنني يا أخي لا أقصد الاحتفالات السخيفة بأعياد الميلاد التي ما فتئ البعض من أمة الإسلام يمارسونها مع الأسف تقليداً لمجتمعات الغرب (الفاضحة). ولكنني أسألك عن الاحتفال بمولد الرسول المصطفى، هل تفهم؟!

أجبته: إنني أعتذر عندما شطح بي التفكير بعيداً، وتصورت أنك تسألني عن أعياد الميلاد المتعارف عليها، لهذا أعتذر مرة أخرى، فمحسوبك (تضرب عنده الفيوز) أحياناً.

قال: إذن هل تأتي معي إذا حل موعد المولد الشريف، للذهاب إلى منزل (فلان) للاحتفال به هناك؟!

قلت: إنه شرف كبير لي أن آتي معك لأستمع إلى مدائح سيد الثقلين، ولكنني أظن ـ والله أعلم ـ أن ذلك أصبح تقليداً مستحباً ولم يكن معمولا به في القرون الأولى من الإسلام.

غضب مما سمعه مني، لأنه نهرني قائلا: كيف تتفوه بمثل هذا الكلام، ألا تخجل؟!

الواقع إنني صمت لأنني لا أريد أن أحاججه في موضوع هو عندي (تحصيل حاصل)، فليس لدي أي اعتراض أو ممانعة على مثل هذا الاحتفال، بل إنه بالعكس فقد يضخ شحنات عاطفية من الإيمان في نفوس الحاضرين، وهم يستمعون إلى أصوات شجية تعدد خصال ومناقب الرسول الكريم، ولكن يا ليتها تكون بعيدة عن (التهويمات) والتشنجات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وقد حضرت ذلك الاحتفال فيما بعد، ودعوت ما قدرني عليه رب البرية من دعاء، وخرجت مثلما دخلت رجلا متزن الخطوة والتفكير.

وللتاريخ فقط لا غير، لا بد وأن نذكر أن الاحتفال بالمولد الشريف لم يكن المسلمون يعرفونه قبل عام (560 هجرية)، والذي بدأ به في بلدة (أربيل) الكردية هو (مظفر الدين ككبوري) عديل (صلاح الدين الأيوبي).

وأقام الزينات الباهرة، وأحضر الشعراء والمغنين الذين أخذوا يتبارون بالقصائد والمقاطع المختلفة في مدح الرسول، وأقيمت ألعاب الفروسية، وعرضت الصناعات وماجت الأسواق التجارية بالرجال والنساء، واستفادت تلك البلدة في ذلك اليوم فائدة عظيمة، وأصبح ذلك اليوم يتكرر سنوياً، وانتشر خبر ذلك النجاح في كل الأصقاع، فقلدهم (الأيوبيون) في مصر وجعلوا يحتفلون به كل عام، وانتقل بعد ذلك إلى الشام والحجاز.

وأقامه (الأندلسيون) في غرناطة في القرن التاسع للهجرة.

ثم أهل المغرب، وهكذا دواليك.

والله حي، الله حي، الله حي.

[email protected]