ندا ومروة امرأتان.. خبر واحد

TT

وحدها النهاية البشعة والمحزنة جمعت بين الشابة الإيرانية ندا التي قتلت بالرصاص على يد السلطات الإيرانية خلال التظاهرات الأخيرة، وبين الشابة المصرية مروة الشربيني التي طعنها متطرف ألماني في قاعة محكمة حتى الموت أمام طفلها وزوجها وهو يكيل لها الشتائم العنصرية.

شاباتان في مقتبل العمر تُقتلان على نحو بالغ القساوة وأمام الكاميرات لتبلغ صور مقتلهما العالم. ندا ومروة قتلهما تطرفان، لوهلة قد يعتقد المرء بافتراقهما، لكنهما متشابهان إلى حد القتل نفسه.

صحيح أن الظروف السياسية المحيطة بإيران تجعل من طهران وتظاهراتها ومقتل متظاهريها ومتظاهراتها خبرا أول، لكن من قال إن مقتل مروة المصرية في ألمانيا لا يحمل معاني موازية أو مكملة لتلك التي رافقت مقتل ندا؟!

فالرأي العام الذي ثار وتأثر عن حق لموت ندا وسقوطها مضرجة في شوارع طهران لاحتجاجها على واقع سياسي، لم يظهر اكتراثا فعليا لمأساة مروة التي كانت تبحث عن مكان ليلعب ابنها في حديقة عامة في ألمانيا. هذا الرأي العام من المشكوك في سلامة نواياه حيال مقتل ندا، إذا لم يشفع ذلك باستهوال مواز ومشابه لمقتل مروة التي طعنت أمام القاضي والأمن الألماني في محكمة.

مأساتا الشابتين موثقتان بالصور وطافتا آلاف المواقع الإلكترونية خصوصا، لكن الحال يختلف لدى الحديث عن الإعلام التقليدي، خصوصا الغربي منه. فقد بدت ضعيفة إلى حدّ الهزال ردّة الفعل الألمانية والأوروبية عموما إزاء مأساة الشربيني، والتي تعني أول ما تعني تركيبة المجتمع الألماني الذي تشير آخر الأرقام فيه إلى أن 50 في المائة من الألمان الشرقيين و25 في المائة من الألمان الغربيين لهم موقف معادٍ من الأجانب.

قاتل مروة ألماني من أصل روسي، وقبل أن يقدم على فعلته في المحكمة كان يسألها مقرعا: «هل لك الحق في أن تكوني في ألمانيا؟» هل لذلك علاقة بضعف تكامل شرائح واسعة من المهاجرين الروس مع المجتمع الألماني؟! سؤال مشروع لكنه لم يطرح. تم الاكتفاء بنشر خبر الجريمة في الصفحات الأخيرة للصحف الألمانية، ومن دون توضيح الدلالات العنصرية له، إلى أن فوجئ الألمان بتظاهرات منددة في مصر ولاحقا في إيران، ليتنبهوا إلى أن الحكاية تتجاوز ذلك بكثير، حتى الموقف الرسمي الألماني المندد بالجريمة لم يعلن إلا بعد أسبوع من وقوعها وبعد انتشار التظاهرات المنددة بها.

ما يجعل من تجاهل مأساة مروة الشربيني ظلامة مضاعفة هو سوء التوظيف من قبل البعض في العالم العربي والإسلامي، وتكريس صفة الصدام بين المسلمين والغرب على النحو الشعبوي السائد في مجتمعاتنا، والذي يتصيد مأساة كالتي أودت بمروة ليؤكد الميل إلى المواجهة والصدام لا الحوار. وما يزيد من تردي النقاش هو موقف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي وجد في مأساة الشابة المصرية مادة للردّ على الانتقادات التي طالته ونظامه بعد مقتل المتظاهرة الإيرانية ندا.

بين التجاهل والتوظيف قد تضيع المعاني التي حملتها مأساتا ندا ومروة تماما، كما ضاعت أعمارهما الصغيرة.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام