سر «الحسا»

TT

أصيب «الحساويون»، أهل منطقة الأحساء بالمملكة العربية السعودية، بخيبة أمل كبيرة جراء خروج واحتهم المعروفة من التصنيفات قبل النهائية لمسابقة عجائب الدنيا السبع، مع أنها بدأت قوية في التصويت الأولي الذي مكنها أن تنال المرتبة الأولى عربيا والسادسة عالميا بجدارة. وعلى الرغم من أن الترويج والتصويت كان لصالح الواحة الطبيعية المعروفة بالأحساء، فإن هناك ما هو أهم وأجدر بالتثقيف عنه والتعرف عليه في هذه المنطقة. الأحساء منطقة «تاريخية» بالفعل، فهي ليست وليدة أيام أو عقود مضت، ولكن لها جذورا هائلة، وهي منطقة علم وتجارة وزراعة وثقافة. تمكنت عبر هذا الخليط المميز من «تصدير» رجالها إلى مختلف بقاع الجزيرة العربية والخليج العربي، بل وحتى إلى دول عربية وأخرى دولية، ليسهموا في نشر التجارة والعلوم بأشكال ناجحة ومميزة، وما من عمل قام بأدائه «الحساويون» إلا وتميزوا فيه وبجدارة. من المعمار الحساوي البسيط ولكن المنظم والمقسم بحسب احتياج الإنسان وبأدواته البيئية الملائمة جدا إلى المطبخ الحساوي المتنوع والغني والذي يعكس ثقافات البحر والبر بشكل متساو ومتزن، الزراعة التي تحولت مع الوقت والأيام إلى أسطورة، فبات المزارع الحساوي مضربا للأمثال، وأصبحت النخيل والتمور الحساوية في المرتبة الأولى من ناحية الجودة والتميز، وطبعا هناك الحديث المعروف عن جودة ولذة طعم الأرز الحساوي والذي تحول إلى «كافيار» فاخر نظرا لندرته ومحدودية إنتاجه. حتى المجال الحرفي أو صنعة اليد كان لها نصيب وحظوة غير قليلة من الاهتمام ومن النجاح، فالصناعات الخشبية كالأبواب والنوافذ وغيرها تشهد بذلك، ناهيك عن المشالح والبشوت التي إذا لم تكن من «الحسا» فهي دون المستوى كما بات يقال ويردد عنها.

ولا يمكن إغفال دور العلم الشرعي المنتشر في الأحساء من مئات السنين وهي تقدم علوما شرعية متوازنة وسوية ومطلعة على جميع المصادر بدون تعصب ولا تحيز ولا تحزب، فأوجدت مناخا وسطيا جميلا بلا قلق ولا تشدد. حتى في التجارة تفوق الحساويون بوضوح، وانتشروا في بقاع مختلفة، وأبلوا بلاء حسنا نظرا لقدرتهم الكبيرة على التأقلم مع الغير والتعود على طباع الآخرين بدون أن يفقدوا ثقافتهم وهوياتهم، مما أكسبهم الاحترام والمكانة المميزة. «الحساوي» بطبعه غير مطالب، ولحوح، ولكنه مثابر ويرضى بالقليل، وهو ما مكنه من رؤية الكوب دائما نصفه مليء حتى لو لم يكن هناك كوب أصلا في بعض الأحيان!. ولم يقتصر الصيت الحساوي المميز على رجالها فقط، ولكن كانت للمرأة الحساوية مكانة مميزة جدا مكنتها من اكتساب سمعة فريدة كأم وكزوجة ترعى أهلها ودارها وأولادها مع تألقها اللاحق في مواقع التعليم والعمل والبناء على موروث الأجداد من جدية ومصداقية وعزيمة في هذه المجالات. الأحساء، وهي ثاني المناطق السعودية في الكثافة السكانية بعد مكة المكرمة، بإمكانها أن تكون فعلا منطقة جذب صناعية وتجارية وثقافية هائلة، فالإنسان الحساوي هو رأس مالها وثروتها الحقيقية، وبالنظر إلى تجربة شركة «أرامكو» العملاقة مع التوظيف من الأحساء نجد نجاح تلك التجربة بامتياز، وما حدث مع «أرامكو» حدث مع غيرها من الشركات التي كررت هذه التجربة، وبالإمكان فعلا تقدير حجم هذا «السر» وبالتالي إمكانية الاستفادة منه بشكل أفضل وأدق.

الحسا قد تكون خسرت التصويت العالمي على واحتها الطبيعية، ولكنها ستظل تنال الاحترام والتقدير الكبيرين على «سرها» الخاص. فتحية دائمة لها.

[email protected]