أي نهاية للازدواجية الإيرانية؟

TT

رحم الله السياسي اللبناني الراحل، ريمون إده.

يوم انتقد «ازدواجية» الحكم في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب عام 1959، كان يستهدف ازدواجية السلطة في أجهزة أمن الدولة اللبنانية الواحدة.

لو كان حيا يرزق اليوم لربما اعتبر أن إطلاق هذا التوصيف على عهد فؤاد شهاب كان مبالغة سياسية إذا ما قورنت بالازدواجية المؤسستية في نظام الثورة الإسلامية.

منذ ثلاثة عقود وإيران «الدولة» تتعايش مع إيران «الثورة» في معادلة دقيقة نتجت، عمليا، عن عجز الثورة عن الإطاحة بالدولة وقصر باع الدولة في القضاء على الثورة.. فكان أن عاشت إيران، طيلة هذه العقود، في ظل ازدواجية مدنية ـ دينية تتجلى، في وجهها المدني، بشكل من أشكال الديمقراطية «المراقبة» (على صعيدي الانتقاء المسبق للمؤهلين للترشح لرئاسة البلاد وبرلمان الدولة) وفي وجهها الديني في تنامي الدور السياسي للولي الفقيه غير المنتخب وغير الخاضع للمحاسبة من أي جهة من جهات الدولة.

ورغم غرابة هذه المعادلة استمرت الدولة في المحافظة على مؤسساتها البيروقراطية وجيشها النظامي.. فيما كانت الثورة الإسلامية «تستنسخ» أدواتها العسكرية والأمنية عبر مؤسسات موازية مثل الحرس الثوري والباسيج، وتطوق نظامها البرلماني بشبكة من الجوامع تحولت إلى قواعد للملالي المؤيدين للنظام.. إلى أن قلبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة هذه المعادلة من حيث لا تقصد.

انتخاب محمود أحمدي نجاد أخلّ بذلك التعايش الدقيق بين «الثورة» و«الدولة» لصالح المؤسسة الدينية التي تجاوزت حدود تعايشها السابق مع المؤسسة المدنية لتعزز تسلط «ولاية الفقيه» على ما تبقى من مؤسسات الجمهورية المدنية.

غير خاف أن إيران دخلت، منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مرحلة التحول من النظام الثنائي الديني ـ المدني الذي عاشته منذ عهد الخميني، إلى نظام بحت ديني يرجّح دور رجال الدين غير المنتخبين على دور السياسيين المنتخبين في قرار الدولة. وقد لا تكون مجرد صدفة أن يبدأ، للمرة الأولى، إطلاق لقب «الإمام» على المرشد الأكبر للدولة، علي خامنئي، في الإعلام الإيراني الرسمي وفي خطب الملالي.

أول مواجهة جدية بين الدولة والثورة رجحت كفة الثورة على الدولة، وإن بجهد جهيد. ولكن هل يمكن، بهذه السهولة، أن ينتهي نظام الازدواجية الإيرانية بزوال ما تبقى من «الدولة» المدنية لصالح ما يبدو أنه بداية نظام إمامة إسلامية في طهران؟

المطلعون على الأوضاع الداخلية في إيران ما زالوا يعتبرون أن «الدولة» في إيران أبقى من «الثورة»، خصوصا بعد انقسام الثورة على نفسها وتشرذم العديد من وجوهها. ويشيرون في هذا السياق إلى أن الأربعة آلاف إيراني الموقوفين لمشاركتهم في تظاهرات الاحتجاج على انتخابات الرئاسة هم من وجوه الثورة الإسلامية ودعاتها الأوائل. ويضيف هؤلاء أن الملالي المحافظين، في سعيهم للاستئثار بالقرار السياسي في طهران، يتجاهلون واقع إيران الاجتماعي ـ الديمغرافي، فكل الإيرانيين ليسوا شيعة وكل الشيعة ليسوا متدينين وكل المتدينين ليسوا مؤمنين بولاية الفقيه.

باختصار، في إيران اليوم وضع سياسي ـ اجتماعي متحرك ومفتوح على كل الاحتمالات. وإذا كان من المبكر بعد التكهن بنتيجة الصراع الداخلي يبدو من الصعب أيضا، توقع انتهائه بتسوية تعيد نظام التعايش المدني ـ الديني إلى سابق عهده في أعقاب ما أفرزته التظاهرات والاعتقالات وسفك دماء من اصطفافات تحزبية داخل معسكري النظام، ناهيك عن أن منطق التسويات يتناقض أساسا مع منطق الثورات أينما كانت.

ولكن مرحلة المخاض التي يعيشها النظام الإيراني لن تكون مريحة لجيران إيران، وخصوصا الدول العربية، ففيما يستدعي هذا المخاض تأقلما متواصلا مع مستجدات الداخل الإيراني فإن التحسب لانعكاساتها على المنطقة قد يصبح الهم العربي الأول في وقت يتطلب فيه مشروع السلام الأميركي الموعود تركيزا متزايدا على القضية العربية المحورية، فلسطين.

ربما كان من المجدي، في هذه المرحلة أن تفصل الدول العربية في مقاربتها للحالة الإيرانية بين علاقتها بنظام «الثورة» وعلاقتها بـ«الدولة».

ولكن السؤال المحيّر يبقى: هل انتصار مفهوم «الدولة» في إيران سيكون أفضل للعرب من انتصار نظام «الثورة».. أم أن تداعيات الانتصارين ستكون سيان لديهم؟