علي و«الرباعي المنحوس»

TT

عندما يرغب الإيرانيون في تسليط الضوء على عزلة شخص ما، يستخدمون حكمة: «ترك علي وحده في بركته!». كانت هذه الحكمة في أذهان الكثيرين الاثنين الماضي خلال بث تلفزيوني مباشر لاحتفالات حث خلالها علي خامنئي، «المرشد الأعلى»، «النخبة» على توحيد صفوفها وراء الرئيس محمود أحمدي نجاد.

وبذل القائمون على كاميرات التصوير أقصى ما بوسعهم لإظهار أنه، في هذه المناسبة على الأقل، لا يقف علي وحده في بركته. خلال المناسبة، كان المرشد الأعلى محاطا برجال يرتدون زيا رسميا، وتحمل وجوههم لحى طويلة. وكان من بين الحضور حوالي اثني عشر ممثلا رفيع المستوى لدول أفريقية، يرتدون ملابس قبلية ملونة. (ولم يتضح قط ما الذي يفعلونه في هذه المناسبة!) إضافة إلى ذلك، شارك عدد من المسؤولين الذين شرعوا في الثرثرة واللغو، بينهم أحمدي نجاد، الذي بدا بعيدا عن الأضواء، في محاولة لسد الفراغ القائم. ضم الحضور أيضا فرقة موسيقية مؤلفة من عدد من المراهقين يشدون: «علي لن يبقى وحيدا!».

على الجانب الآخر، كان من بين الأسماء الغائبة عن الحضور الرئيسان السابقان هاشمي رافسنجاني ومحمد خاتمي. ومن بين من يطلق عليهم «مرجع التقليد»، وهم كبار الملالي الذين يدعون لأنفسهم دور الزعامة، لم يحضر أحد على الإطلاق. كما غاب عن الاحتفال الكثير من كبار مسؤولي المؤسسة العسكرية. أما الانطباع العام الذي خلقه كل ذلك فيتمثل في أنه على حين غرة أصبح الكثيرون ممن كانوا يسعون بجد في وقت من الأوقات للفوز برفقة «المرشد الأعلى» أصبحوا الآن ينأون بأنفسهم عنه. قبل الأزمة التي أشعلها إعادة انتخاب أحمدي نجاد المثير للجدل في 12 يونيو (حزيران)، كانت المناسبات التي يترأسها خامنئي دوما فرصا لإظهار وحدة صف النخبة الحاكمة. وكانت الرسالة الضمنية لمثل هذه المناسبات أنه رغم إمكانية انقسام هذه النخبة إلى فرق متشاحنة، فإن صفوفها تبقى ملتفة بقوة حول «المرشد الأعلى».

بيد أنه في الوقت الراهن، بات يجري النظر إلى خامنئي نفسه باعتباره زعيم واحدة من هذه الفرق. ومع أن حركة الاعتراض الحالية أثيرت على يد معارضي أحمدي نجاد، يكاد يكون الرئيس قد تراجع حاليا إلى خلفية الأحداث. حتى الشهر الماضي، حاول خامنئي البقاء مترفعا عن التشاحنات، وقصر ظهوره العلني إلى قرابة ست مرات فقط سنويا. إلا أنه عند استعراض الأسابيع الست الماضية، نجد أن مرات ظهوره العلني وصلت إلى ما يقرب من اثنتي عشرة مرة، بما في ذلك خطبة نادرة ألقاها خلال صلاة الجمعة داخل الحرم الجامعي لجامعة طهران. والملاحظ أن خامنئي تخلى عن دوره كحكم، وأصبح عاملا فاعلا في لعبة مميتة يجب أن تنتهي بفائزين ومهزومين. من غير المثير للدهشة أن نجد أن خامنئي، كشخص وباعتباره «المرشد الأعلى»، يجري استهدافه من جانب المنشقين داخل النخبة الخومينية. وقد فر بعض هؤلاء المنشقين بالفعل إلى الغرب، وبالتالي باتوا يشعرون بالحرية تجاه مهاجمة خامنئي دون قيود.

من ناحية أخرى، نجد فريقا من أمثال رفسنجاني وخاتمي لم يهاجموا خامنئي بالاسم بعد، لكنهم أوضحوا أنهم توقفوا عن النظر إلى أحكامه بشأن أي أمر باعتبارها نهائية. من جهته، حاول مير حسين موسوي، رئيس الوزراء السابق والمرشح الرئاسي المهزوم الذي يدعي أنه حرم من الفوز، اتباع نهج غامض خاص به. ومع ذلك، رفض هو الآخر الحكم الذي أصدره خامنئي، مما أثار التساؤلات حول سلطة الأخير كـ«مرشد أعلى».

في الوقت الذي لحق الضعف بالتأكيد بالفرقة التي يتزعمها خامنئي، لا توجد مؤشرات على أن ائتلاف الفرق المنشقة بزعامة ما يطلق عليه «الرباعي المنحوس»، في إشارة إلى موسوي وخاتمي ورفسنجاني ومهدي كروبي، قد جنى استفادة من وراء ذلك. ويتعين على «الرباعي» اتخاذ بعض القرارات الجوهرية قبل أن يتمكن من صياغة استراتيجية موثوق بها.

يتعلق أول هذه القرارات بماهية الهدف المنشود تحديدا. في الواقع، إن إعادة انتخاب أحمدي نجاد لم تكن مختلفة عن الانتخابات الـ30 الأخرى التي أجراها النظام الخوميني على مستويات متنوعة منذ عام 1980.

من المفترض أن جميع الرؤساء الستة السابقين للجمهورية الإسلامية انتخبوا بنسبة أصوات تتجاوز الثلثين. وبعضهم ـ مثل محمد علي رجائي وعلي خامنئي ـ حصل، حسب ما أعلن، على أكثر من 90% من الأصوات. منذ أربع سنوات، أعلن فوز أحمدي نجاد بنسبة 62% من الأصوات، ولم يعترض أحد على ذلك. جدير بالذكر أن رفسنجاني وخاتمي، اللذين يسايران الآن موجة الانشقاق، سبق لهما الفوز بالرئاسة بنسب خيالية من الأصوات.

تبعا للدستور الخوميني، بمجرد أن يقر «مجلس الأوصياء» و«المرشد الأعلى» نتيجة انتخابات ما، لا يمكن الجدال بشأنها بعد ذلك على أسس سياسية. إلا أنه بالتأكيد، يبقى من حق أي مواطن التقدم بدعوى قضائية في المحكمة العليا يطعن خلالها في النتائج. ومع ذلك، لم يقدم أي من موسوي أو كروبي حتى الآن على التعامل مع الأمر عبر القنوات القانونية، مفضلين الطعن في النتائج على الصعيد السياسي. وقد هاجما «مجلس الأوصياء» في العديد من البيانات الصادرة عنهما، رغم عدم تقدم أي منهما بدعوى قضائية ضد أعضاء المجلس بتهمة التقصير في الاضطلاع بالواجبات الدستورية.

إضافة إلى ذلك، فإن الغموض الذي يكتنف معارضتهما لخامنئي يأتي بنتائج سلبية. هل يظنان أن خامنئي تصرف خارج نطاق صلاحياته الدستورية؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فإن باستطاعتهما السعي لحجب الثقة عنه والإطاحة به من السلطة عبر «مجلس الخبراء»، وهو كيان مؤلف من 86 من الملالي. وتتجلى المفارقة في أن رفسنجاني يتولى رئاسة هذا المجلس. من الناحية القانونية، ليس هناك ما يحول دون تقدم رفسنجاني بمقترح لسحب الثقة من خامنئي خلال دور انعقاد المجلس التالي المقرر في سبتمبر (أيلول). إلا أنه إذا كان «الرباعي» معارضا لمبدأ «ولاية الفقيه»، لا يمكن لرفسنجاني الاستمرار في ترأس الكيان المسؤول عن الإشراف على أنشطة «المرشد الأعلى». بدلا من ذلك، ينبغي أن يقترح إدخال تعديلات دستورية، أو ربما حتى إقرار دستور جديد يلغي مبدأ «ولاية الفقيه».

موجز القول إن التساؤل القائم الآن يكمن في: هل ترغب في التخلص من أحمدي نجاد، وربما خامنئي نفسه، أم أنك تود تغيير النظام؟ وهذا النظام ليس خياليا. إذا كان الهدف تغيير الأفراد، من الواضح أن خامنئي وأحمدي نجاد يشكلون قادة طبيعيين للحركة الخومينية بدرجة أكبر عن رفسنجاني أو موسوي.

على الجانب الآخر، إذا كان الهدف تغيير النظام، لا يبدو أن «الرباعي»، المؤلف من شخصيات تمتعت بمكانة بارزة داخل النخبة الحاكمة على مر عقود، يشكلون قادة طبيعيين لحركة الإطاحة بالنظام الحالي.

في الوقت ذاته، لا يمكن لـ«الرباعي» الالتفاف حول الأمر إلى الأبد. في نهاية الأمر سيتعين عليهم إما العودة إلى الحظيرة الخومينية، أو الانضمام إلى حركة أوسع من أجل التغيير.

وتبقى الحقيقة أن النظام الخوميني بالصورة التي عرف بها منذ الثمانينات انتهى، وأن إيران دخلت بالفعل مرحلة انتقالية. ويمكن أن تفرز هذه الفترة الانتقالية نظاما خومينيا أشد وطأة يعمد، بعد أن حرر نفسه من قيود التظاهر الديمقراطي، بقوة أكبر نحو تنفيذ أجندة حرب طبقية وتقوم على معاداة الأجانب. إلا أنه من الممكن كذلك أن تثمر المرحلة الانتقالية حياة سياسية تعددية بالمعنى الحقيقي في إيران، تمكنت من التخلص من الصبغة الإسلامية المصطنعة للآيديولوجية الخومينية، مما جعلها قادرة على العودة إلى الحظيرة الدولية كدولة قومية حديثة، وليس كأداة لتنفيذ آيديولوجية مجنونة.