سوتومايور.. ورطة الجمهوريين

TT

شهد الأشخاص الذين أتوا بعد سونيا سوتومايور في جلسات التصديق على تعيينها كقاضية للمحكمة العليا، ظاهرة أصبحت الآن مألوفة، حيث يتم معاملة الرجال معاملة مختلفة في مثل تلك المواقف. فمثلا: لن يتم توجيه الأسئلة التي وجهت إلى سوتومايور وتتعلق بسلوكها، فهل هي مستأسدة؟ إلى رجل يماثلها في المؤهلات.

وبالطبع فإن وجود تخوفات حول السلوكيات القضائية مسألة شرعية تماما، ولكن عندما ننظر إلى سوتومايور وهي تتلقى أسئلة لها علاقة بمزاجها وسلوكياتها من قبل اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ التي تتكون في معظمها من الرجال، فإنه لا يسعنا إلا التساؤل: كيف سيكون أداء هؤلاء الأشخاص إذا ما تعرضوا لنفس الاختبار أثناء جلوسهم في حجرة مكتظة بالنساء يستهدفن.. شجاعتهم. وبالطبع نحن نتحدث عن الجمهوريين.

ومن الصعب تخمين ما الذي كان يفكر به الجمهوريون، حيث إن الاستنتاج بتعيين سوتومايور يعد استنتاجا سابقا لأوانه، ولكن مهاجمة شخصيتها تعتبر في الحد الأدنى استراتيجية سياسية سيئة. وليست سوتومايور ـ أول لاتينية ترتقي أعلى المناصب، ولديها سجل حافل بالنجاح لا يضاهيها فيه سوى قلة ـ هي الشخص المناسب للاستهداف حيث إن المقترعين الهسبان هم مورد ذهبي للمستقبل السياسي.

وقد شكك أعضاء مجلس الشيوخ كذلك فيما يتعلق بهوية سوتومايور العرقية وقدرتها على أن تحكم بحيادية لا تتأثر بكونها امرأة أو بخلفيتها السياسية.

انتظر، دعني أخمن، أنتم رجال بيض! فهل نستنتج من ذلك أن الرجال الذين ينحدرون من أصول أوروبية لا يخضعون لأية تأثيرات تتعلق بالعرق أو الجنس أو الخلفية السياسية. هل يستطيع أحد أن يؤكد ذلك الزعم بثقة؟

إن عملية الانتقاء وفقا للهوية العرقية والجنس لا تبدو عملية ذكية على الإطلاق، ومع ذلك، لا يستطيع هؤلاء السادة فهم كيف عبرت سوتومايور عن فكرة كونها تستطيع كلاتينية اتخاذ قرار أكثر حكمة من القرار الذي يمكن أن يتخذه رجل أبيض؟

وقد بدا تعليق سوتومايور على تلك الملاحظة غير الموفقة ـ الذي تم تحريفه عبر التكرار اللانهائي ـ معقولا بما يكفي؛ فقد كانت تحاول أن تلهم جمهورها الذي يتكون في معظمه من الأقليات من النساء، بالإضافة إلى أن أي شخص يلقي المئات من الخطب ـ أو حتى العشرات ـ سوف ينتهي به الأمر إلى قول شيء يندم عليه. ولكنه من غير اللائق أن يقوم قاض نزيه باستغلال عدة تعليقات عشوائية مستقطعة من سياقات الزمان والمكان، بل والجمهور الموجه إليه تلك التعليقات في تقييم شخصية أحد وسجله المهني. ولكن الأمر الأكثر إزعاجا كان تلك الأسئلة المبنية على إشاعات مجهولة المصدر موجهة ضد شخصية سوتومايور فيما يتعلق بإصدار الأحكام. فهذا هو ما تسمعه المرأة عندما يسأل الرجال إحدى المرشحات حول سلوكياتها: «هل أنت تلك «الماجنة» التي يتحدث عنها الجميع»؟ فمن الجائز أن يكون الرجل متقلب المزاج ولكن يظل رجلا رائعا؛ بينما يصعب دائما التعامل مع النساء. لماذا؟ ربما يدور ذلك السؤال بخلد بعض هؤلاء الحكماء في الوقت الذي تفكر فيه سوتومايور في بعض القضايا العميقة التي أوحى لها بها مستجوبوها. تبرأ من الأمر كما نفعل نحن؛ تبرأ من واقع اختيار الأشخاص لارتقاء منصب معين ـ سواء عامل حسابات، أو قاض للمحكمة العليا ـ وفقا لمعايير مثل المظهر، الشخصية، كونه محبوبا، إلى جانب المؤهلات، والذكاء، ولكن تلك هي الحقيقة؛ التي توضح في جزء منها لماذا يظهر الرجال الجمهوريون أنفسهم الذين لا يستطيعون تقبل سوتومايور إعجابا شديدا بمرشح حزبهم لمنصب نائب الرئيس. غامر واستنتج بنفسك.

وبالطبع، أنا ليس لدي أي شك في أن الجمهوريين يهتمون بصدق بوجهات نظر سوتومايور في بعض القضايا مثل القضايا المتعلقة بحيازة السلاح، وحقوق الإجهاض، والسلطة التنفيذية والقضايا الكبرى الأخرى التي تشق صفنا.

وحتى تلك النقطة، فإن التفكير في صلات سوتومايور، وأحكامها وتصريحاتها كان يقع بمجمله ضمن نطاق اللعب النزيه، ولكن أن يتم تقييمها وفق هويتها ومزاجها فإن ذلك يجعل إدعاء الجمهوريين بالالتزام بالحياد ينهار، كما يؤكد الفكرة الحدسية التي ترجح، هل أتجرأ وأقولها، افتقارهم إلى التعاطف.

أقول ذلك مع شعور بخيبة الأمل (حيث إنني متحيزة للرجال) ونعم.. أنا قلقة. أشعر بخيبة الأمل عندما يلعب الرجال ببطاقات التعريف عن شخصياتهم للتلويح بهويتهم إن لم يكن للتصريح بها. وأشعر بالقلق عندما لا يكون لدى الحزب الديمقراطي خصوم ذوو مصداقية في السنوات القادمة لكي يحمونا من طغيان حكم الحزب الواحد. وإذا تم تأكيد تعيين سوتومايور فسوف تتماهى داخل ذلك الثوب الأسود كما فعل معظم الباقين، وقلة فقط هي التي ستتذكر أسباب تلك الضجة، الضجة التي أثيرت حول لاتينية حكيمة. هل غمزت بعينيها؟ ويذكر هؤلاء الذين اختاروا المعارك الخاسرة خلال جلسات التصديق، يذكرون الأميركيين بأن توجهاتهم وانحيازاتهم هي توجهات وانحيازات عمياء وربما يجدون أنفسهم في النهاية وحدهم في تلك التوجهات.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»