موريتانيا: «الديمقراطيات» الوليدة والنتائج المشوشة

TT

تستمد الديمقراطيات الغربية شرعيتها وأيضا عراقتها من قبولها التلقائي بالنتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع فيها. فإذا رجح صوت واحد كفة هذا الطرف، انصاع الآخر وسلم تسليما وقام بدوره «المعارض» بتلقائية وحماسة.

آما بالنسبة إلى حالة البلدان العربية والإسلامية، فإنه ما تكاد تبوح الانتخابات بأسرارها حتى ينفخ «المنهزمون» في جماهيرهم لهيب الانقسام معتمدين على تلك القدرة التي تُجيش وتُعبئ المحتجين قصد التشكيك في نتائج الاقتراع ومن ثم مواصلة الاحتجاجات والتوترات، مما يفرز بعدها وبسببها نتائج خطيرة في أكثر الأحيان. هكذا كانت الحالة في لبنان وهو ما تمّ في إيران ولم تشذ بالطبع موريتانيا عن القاعدة التي أصبحت مألوفة.

فيظهر أن التوتر قد بات سمة ثابتة في المشهد السياسي الموريتاني إلى درجة أن أغلب المقاربات السياسية لحدث الانتخابات الرئاسية الموريتانية تنبأت بموقف الرفض والاحتجاج الذي سيتبناه الطرف الخاسر في المعركة الانتخابية وهي مقاربة استمدت قوتها من دقة تشخيص الحالة السياسية في موريتانيا، التي من خصائصها الانقسام وغياب أبسط مظاهر الوفاق السياسي واشتداد الصراع بين فريقين يتمتع كل واحد منهما بنقاط قوة لا تقل سطوة عن نقاط قوة الفريق الآخر.

لذلك، فإن الأمر الوحيد الذي كان متوقعا في هذه الانتخابات هو رفض الفريق الخاسر القبول بفوز المرشح الفائز وهو ما حصل بالفعل منذ أن بدأت صناديق الاقتراع تُعلن بشكل مرحلي عن هوية الفائز أي السيد محمد ولد عبد العزيز.

وربما ما يحسب لفائدة الانتخابات الرئاسية أن هوية الفائز ظلت إلى آخر لحظة غير معروفة بل إنه كان من الصعب التكهن بها، الشيء الذي أضفى على العملية الانتخابية حالة من الغموض والتشويق معا. ولعل فوز المرشح محمد ولد عبد العزيز قائد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في 6 أغسطس 2008، هو في حد ذاته مأزق من نوع آخر، يستوجب التعاطي معه برصانة سياسية مشروطة لا شيء في حالة الانشطار والتشظي الحاصلين يضمنها. فوصف فوز قائد انقلاب 6 أغسطس 2008 بأنه شرعنة للانقلاب وصف في محله وفي غير محله في الآن نفسه. في محله لأن الانتخابات شاءت أن يفوز من تسبب في إحداث تصدع في الديمقراطية الموريتانية الفتية، وبالتالي يكون بفوزه قد أضفى المشروعية السياسية على انقلابه الذي شهد رفضا داخليا ودوليا وأدخل موريتانيا في حالة عزلة دولية. وهو وصف في غير محله لأن من بنود اتفاق داكار القبول بنتائج الانتخابات وبما أن السيد محمد ولد عبد العزيز كان من بين المرشحين، فإن فوزه كان متوقعا خصوصا أنه توخى حملة دعائية شعبوية ركزت على الاجتماعي والتنموي وما يؤرق جيب المواطن الموريتاني ومعدته. وإذا ما تأملنا الطابع الإيجابي الغالب على تقرير المراقبين العرب والحياد الظاهر للمجتمع الدولي، إضافة إلى تسارع دول الجوار لتهنئة المرشح الفائز، فإننا نستنتج أن فريق الانقلاب قد تمكن من قلب موازين القوى ومن تحييد بعض الأطراف وجذب البعض الآخر إلى صفه مع ما يعنيه ذلك من طي حالة الرفض الخارجي له.

ومع ذلك فإن المطلوب من الفريق الفائز هو بذل مجهودات نوعية لتجميل أثر الانقلاب الذي طبع وصوله للحكم شاء ذلك أم أبى. وبالنظر إلى هذه الاعتبارات، فإن المعارضة تحتاج إلى إعادة ترتيب أدوارها وتطويعها، وفقا للمتغيرات الجديدة خصوصا أن ما بلغته الأحزاب الموريتانية المعارضة من قوة تأثير في المجتمع الموريتاني وامتلاكها لوسائل التأثير الاتصالي والاجتماعي والسياسي وأيضا تمتعها بتقدير دولي لدورها في الذود عن الديمقراطية في موريتانيا.. كل هذه النقاط تجعل المعارضة قادرة على الاضطلاع بدورها في الحالة السياسية الراهنة والظهور كحزام سياسي فاعل، يُقوض سلطة الفريق الحاكم ويجعله يحسب لها ألف حساب. والرابح الأكبر من حالة الشد والجذب هذه الشعب الموريتاني.

[email protected]