مظاليم في سجون الفن!

TT

أم كلثوم في مصر، وفيروز في لبنان، قمتان غنائيتان لا يدخلهما الكثيرون في دوائر المقارنة مع الآخرين. ماتت أم كلثوم، وصمتت فيروز، فكثرت القمم بعدهما، لكن انخفض ارتفاعها عما كانت عليه، ولا يلوح في الأفق المنظور اليوم أن ثمة قمة تتشكل يمكن أن تتجاوز فيروز أو أم كلثوم..

حينما ظهرت آمال ماهر، وهي التي تمتلك إمكانات صوتية فريدة، وعظيمة، ومتفوقة، حاول «الكلثوميون» أن يستنسخوا بصوتها أم كلثوم فأضاعوها، ولم يعثروا على أم كلثوم، وليتهم تركوها لتكون آمال ماهر. أعرف أن هذه الموهوبة خرجت من سجن أم كلثوم أخيرا، لكن إلى أين؟ فالخروج من سجن أم كلثوم ليس ببساطة دخوله، وظل هذا الصوت الجميل، الأنيق، الفخم يعاني إشكالية الاختيار، وتحديد المسار، يسترشد بأستاذه عمار الشريعي حينا، ويتمرد على منهجه حينا آخر.

حسنا فعل اللبنانيون حينما لم يسعوا إلى صناعة فيروز أخرى، واكتفوا بفيروزهم، فتنوعت ساحة الطرب اللبناني، ولكل صوته الخاص، ونكهته المختلفة: ماجدة الرومي، ديانا حداد، نجوى كرم، نوال الزغبي، نانسي عجرم، وغيرهن، وإن كان من الإنصاف القول: إن من أبرز سمات صوت فيروز استحالة تقليده.

حينما ظهر طلال مداح في السعودية في نهاية عقد الخمسينات من القرن الميلادي الماضي أحدث إرباكا لعدد من الفنانين الذين جاءوا بعده، وقلدوا لثغته، وصوته، وأسلوبه، فاكتسحهم الأصل، ومضوا إلى النسيان، تماما كما فعل عبد الحليم حافظ مع جيل من المطربين في مصر، ولو سلم هؤلاء الفنانون السعوديون طلال مداح لنجوا، وبرزوا، وتفوقوا، ومن حق محمد عبده أن يفخر أنه أول من أفلت من قبضة صوت طلال إلى ذاته، ليشكل الطرف الآخر من قمة الغناء في السعودية.

وفي زحمة الطرب والمطربين ثمة كوكبة من المطربين العرب تمتعوا بأكبر قدر من الاستقلالية الفنية، فهم لا يشبهون سوى ذواتهم أمثال: فريد الاطرش، صباح فخري، ماجدة الرومي، نبيل شعيل، فوزي محسون، حسين الجسمي، ماجد المهندس، وعبادي الجوهر، وهؤلاء لهم جمهورهم الخاص جدا، وجمهورهم وإن كان في بعض الحالات أقل عددا إلا أنه أكثر ارتباطا بأصواتهم، وأعظم حماسا لفنهم.

و«ياما في السجن ـ الفني ـ مظاليم!»