إيران وروسيا: ما زال العداء قائما

TT

على مدار 30 عاما، عمد الغوغاء الخومينيون إلى إحراق العلم الأميركي وسط صيحات «الموت لأميركا»!

إلا أنه هذه الأيام، أصبح الحرق يستهدف العلم الروسي على يد متظاهرين يطلقون صيحات «فلتسقط روسيا»! يرجع ذلك إلى أن الإيرانيين الغاضبين ينظرون إلى روسيا باعتبارها دولة صديقة لنظام «سرق» الانتخابات الرئاسية ويحاول سحق حركة الديمقراطية بالبلاد. وبلغت مشاعر كراهية روسيا مبلغا عظيما لفت أنظار حتى المعلقين داخل موسكو. لكن هل هذه الكراهية مبررة؟

في الواقع، تضرب مشاعر كراهية روسيا بجذور عميقة في التاريخ الإيراني. وقد بدأت بالحروب التي شنها القياصرة ضد فارس التي كان الضعف قد ألم بها خلال الفترة الممتدة بين أواخر القرن الثامن عشر حتى عام 1830، نتج عنها ضمهم أجزاء واسعة من الأراضي الإيرانية في القوقاز وآسيا الوسطى إلى سيطرتهم.

عام 1909، وقعت روسيا ميثاقا مع بريطانيا العظمى، عدو آخر لإيران في ذلك الوقت، لتقسيم الأخيرة إلى منطقي نفوذ. من ناحيتها، قاومت الحكومة الدستورية التي كانت تولت السلطة حديثا في إيران هذا المخطط وحرصت على التأكيد على ما تبقى من استقلال البلاد.

بعد عامين، وجه الروس قوات إلى الجانب الإيراني من بحر قزوين، دعما للأمراء والملالي الذين حاولوا، وأخفقوا، في إسقاط الحكومة الدستورية.

أثناء الحرب العالمية الأولى، تحرك الروس مجددا لغزو إيران ولم يعودوا للوطن سوى بعد قيام الثورة البلشفية عام 1917. عام 1921، وقع البلاشفة معاهدة مع طهران حصلت روسيا بمقتضاها على حق نشر قوات في إيران حال شعورها بالتهديد من جانب وجود قوات أجنبية.

بحلول عام 1940، كانت موسكو قد فقدت نفوذها الصريح في إيران، بينما بنت «المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية»، جهاز الاستخبارات السوفياتية، وجود سري لها عبر إنشاء «حزب توده» في طهران، و»الفصيل الديمقراطي»، ذي التوجهات الانفصالية، داخل إقليم أذربيجان.

بعد عام، عادت القوات الروسية، لكن هذه المرة بالتحالف مع بريطانيا، لاستغلال إيران كـ»جسر للنصر» لتوفير إمدادات «الجيش الأحمر» في مواجهة الغزاة النازيين في أوروبا. (وبعد بضعة شهور، انضمت إليهما قوات أميركية).

عند نهاية الحرب، رفض ستالين سحب قواته من إقليمي أذربيجان وكردستان الإيرانيين بهدف تحويلهما إلى كيانين منفصلين قبل ضمهما إلى الاتحاد السوفياتي.

إلا أن إيران، بدعم من الولايات المتحدة آنذاك، تمتعت باحتكار للأسلحة النووية، واستغلت التهديد بإشعال حرب إقليمية لم يكن باستطاعة الاتحاد السوفياتي المنهك مجرد التفكير بها، ما أجبر ستالين على استدعاء جيوشه.

عام 1970، أعلن الشاه أن معاهدتي 1921 و1941 «ماتتا ودفنتا». عام 1979، أعاد النظام الخوميني التأكيد على هذا الموقف.

الملاحظ أن التلاعب بالبطاقة الروسية شكل جزءً كبيرا من استراتيجية أحمدي نجاد في إطار ما اعتبره جهاده لخلق «عالم بدون أميركا». وانطلاقا من حلمه لخلق محور مناهض لواشنطن مع الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وسورية والسودان وفنزويلا، خرج أحمدي نجاد عن مساره التقليدي بمحاولته التقرب إلى موسكو.

عام 2005، أعلن أحمدي نجاد أن إيران تعترف بمعاهدتي عامي 1921 و1941 الملغيتين باعتبارهما ساريتين. رأى البعض في ذلك تهديدا للولايات المتحدة بعدم اتخاذ عمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية لأن مثل هذه الخطوة قد تسفر عن تدخل عسكري روسي.

عام 2007، سحب أحمدي نجاد التأييد الإيراني لاستقلال كوسوفا ـ رغم أن 88% من أبناء الجمهورية المستقلة حديثا من المسلمين. كما انضمت إيران إلى روسيا في رفض طلب كوسوفا نيل عضوية الأمم المتحدة.

علاوة على ذلك، تخلى أحمدي نجاد عن سياسة إيران الخاصة بحماية اللاجئين من خلال تسليم عشرات المقاتلين الشيشان والأنغوشيين والداغستانيين، وجميعهم من المسلمين، الذين فروا من أفغانستان في أعقاب سقوط «طالبان». يذكر أن الحكومة الإيرانية السابقة بزعامة محمد خاتمي سمحت للاجئين الذين لم يرغبوا في البقاء في إيران بالانتقال إلى دول مسلمة أخرى. وطبقا لما أوردته مصادر شيشانية، فإن ما يزيد على 100 مقاتل، سلمتهم إيران إلى روسيا، أعدموا خلال عامي 2006 و2007.

كما أيد أحمدي نجاد الغزو الروسي لجورجيا وإقدام موسكو فعليا على ضم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا إليها. ويكمل ذلك النهج سياسته القائمة على العمل مع روسيا وأرمينيا بمنطقة القوقاز لتقليص النفوذ الأميركي.

وانضم أحمدي نجاد إلى روسيا في معارضة الخطط الأميركية لبناء دروع مضادة للصواريخ في بولندا وجمهورية التشيك.

وتقدم أحمدي نجاد بطلب للانضمام إلى ما يعرف باسم «مجموعة شنغهاي»، وهو تحالف إقليمي أقامته روسيا مع الصين وجمهوريات آسيا الوسطى.

على النقيض من سياسة التنويع، قرر منح غالبية العقود الخاصة ببناء 22 مفاعلا جديدا للطاقة النووية لروسيا. وكان ذلك أحد الأسباب وراء استقالة غلام رضا أغازاده، رئيس البرنامج النووي الإيراني على مدار فترة طويلة، من منصبه مؤخرا.

من جهته، يعتقد أغازاده أن الروس يلعبون بالبطاقة الإيرانية لضمان كسب تنازلات من جانب الولايات المتحدة، بينما لا تنوي مساعدة إيران في بناء صناعة نووية جديرة بالاعتماد عليها. يذكر أن الروس كان من المقرر أن ينجزوا بناء مفاعل بوشهر النووي عام 2005، ورغم مرور أربع سنوات، ليست هناك مؤشرات على أنهم ينوون ذلك.

من ناحية أخرى، وقع أحمدي نجاد أكبر عقد أسلحة في التاريخ، وهو اتفاق تجاري روسي ـ إيراني لشراء أنظمة S300 الصاروخية المضادة للطائرات. رغم إرجاء موسكو عملية التسليم على نحو متكرر، لم تنتقد هذا التأخير.

في ظل قيادة أحمدي نجاد، زاد عدد الإيرانيين الذين يتلقون تدريبهم في روسيا بمقدار أربعة أضعاف. وتتولى روسيا تدريب المئات من مسؤولي الأمن الإيرانيين وتوفير المواد التي يجري استخدامها ضد المتظاهرين.

في المقابل، يؤكد معارضو أحمدي نجاد في طهران أن سياسته الموالية لموسكو تعكس وجهات نظر «المرشد الأعلى»، علي خامنئي. ويدعي محمد محسن سازغارا، العضو السابق بفيالق الحرس الثوري الإسلامي الذي انشق وفر إلى الولايات المتحدة، أن خامنئي أقام صلات مع «كيه جي بي»، جهاز الاستخبارات السوفياتي، قبل الثورة بسنوات.

في ذلك الوقت، سادت فكرة أن الاتحاد السوفياتي، باعتباره القوة الوحيدة المتصدية للولايات المتحدة، سيساعد الخومينيين على تدمير النظام الموالي للغرب.

طبقا لهذا التحليل، يعتقد خامنئي وأحمدي نجاد أن روسيا، رغم الضعف الذي لحق بها، استطاعت معاونة الجمهورية الإسلامية على القضاء على النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.

ربما يكون الدعم الروسي للنظام الخوميني أقل صلابة عما يدعيه سازغارا وآخرون. ومع ذلك، يسود في إيران الاعتقاد بأن نظام فلاديمير بوتين الاستبدادي يشكل الجهة الأجنبية الرئيسة الداعمة للنظام الديني في طهران. ويعد حرق العلم الروسي أحد السبل التي يبعث من خلالها الإيرانيون برسالة إلى موسكو.