لقد فهمت وندمت!

TT

مصادفة غريبة أن أصطدم برجل في مدخل أحد فنادق القاهرة، وقبل أن أعتذر له، نصرخ معا: أهلا وسهلا. لم أره منذ 25 عاما، ولم يكن في استطاعة أحدنا أن يدبر مثل هذا اللقاء، فقد كان لقاؤنا الأول في جزيرة بالى بإندونيسيا، كلانا يبحث عن سيارة إلى المطار، وجدناها معا.. تأخرت الطائرة ست ساعات. كانت كافية لنكون أعز الأصدقاء، فنحن أبناء مهنة واحدة.. كارثة واحدة. صناعتنا الكتابة، وعندما سألته عن بلاده، أخرج خريطة صغيرة، ووضع سن القلم على إحدى جزر المحيط الهادي..

سألته: إن كان لا يزال يعتقد أنه لا توجد وسيلة لأن يكون الكاتب غنيا إلا إذا أحبته قارئة غنية؟!

أجاب: كان هذا رأيي وفشلت، تزوجت وطلقت وعندي ثلاثة من الأولاد..

سألته: إن كان لا يزال يرى أن الكاتب يجب ألا يكون سياسيا لأن الانشغال بالسياسة معناه أن تكون في خدمة الجالس على كرسي السلطة، وأن الكاتب ملك، وأن الملك لا يتمنى لملك آخر أن يختاره.

فأجاب: لا يزال هذا رأيي..

قلت: كيف أفلحت في ذلك، وفشل 90% من الأدباء والشعراء والفلاسفة والعلماء في العالم كله؟!

أجاب: لسبب بسيط جدا، هو أنه لا توجد عندنا مشاكل سياسية في بلادنا، فجزيرتنا جنة لم يزرها إبليس بعد. هل نسيها؟ هل احتقر شأنها؟ هل تركنا لكي يندم كل من يزورنا أنه ليس واحدا من سكانها..

قلت: لم أفهم..

أجاب ضاحكا يا أخي: عندي أسرة تملك هذه الجزيرة، أخي الأصغر هو الحاكم، وأنا الذي أجلسته على العرش، ألا تريد أن تجيء لكي تندم على أقل من مهلك؟

هكذا: لقد فهمت وندمت!