إبداع امرأة

TT

لو لم أكن امرأة لوددت أن أكون امرأة لأن الله سبحانه انتقص من قوة المرأة العضلية وأضاف إلى قوتها النفسية والمعنوية. ضعف المرأة يتحول تدريجيا إلى قوة في الشدائد ربما لأن الحياة شهية تغريها بالبقاء وتكملة ما تلقي به الحياة علي عاتقها.

سؤالي اليوم لقارئ هذه السطور هو: هل تعرف من هو الكاتب الأوسع انتشارا في العالم؟ كاتب بيعت من كتبه أربعة ملايين نسخة وترجمت أعماله إلى 45 لغة وله مسرحية هي الأطول عرضا في تاريخ المسرح في العالم؟

هذا الكاتب هو امرأة اسمها أجاثا كريستي عرفت كمؤلفة القصص البوليسية. تذكرتها أخيرا لأن الإعلام البريطاني يستعد لتكريمها قبل منتصف سبتمبر بحلقات نقاش في الإذاعة والتليفزيون ورحلات إلى مدينة طوركي في مقاطعة ديفن حيث ولدت.

حين قرأت جانبا من سيرة كريستي اقتنعت أن الموهبة لا تفرق بين ذكر وأنثى كما تفرق بينهما الثقافات. واقتنعت بأن الموهبة كمثل مجرى النهر تندفع بقوة تفتت الصخر وتحفر لنفسها طريقا للانسياب مهما كانت الظروف.

حين توفي والد كريستي وهي في الحادية عشرة التصقت بأمها كثيرا. والغريب أن الأم آثرت أن تكتفي بتعليم الابنة الكبرى. ولكن الصغيرة اجاثا راقبت الموقف وببلوغها الخامسة كانت قد علمت نفسها القراءة. . وفي عام 1914 والحرب العالمية دائرة رحاها تزوجت بعد قصة حب رومانسي طيارا اسمه ارشي كريستي وأنجبت منه ابنتها الوحيدة. تزوجا وأمضت معه شهر عسل لمدة خمسة أيام ثم عاد إلى ساحة الحرب في فرنسا. وتطوعت هي في الصليب الأحمر لتعمل في التمريض. وفي فترة التطوع تعلمت الكثير عن الأدوية والسموم بحكم عملها في صيدلية المستشفي وفيما بعد وظفت تلك المعرفة في كتابة رواياتها.

نشرت أول رواية في عام 1921 وفيها ابتكرت شخصية المحقق هيركيول بوارو الذي ذاع صيته في العالم من خلال مسلسل تلفزيوني هو الأفضل في نوعه وما زال يعرض على الشاشة الصغيرة في شتي أنحاء العالم.

إلى هنا والقصة عادية. ولكن القدر كان يعد لأجاثا امتحانا صعبا. ففي عام 1926مرضت أمها فهرعت لرعايتها إلى أن توفيت. نهشها الحزن وجرت أذيالها عائدة إلى الزوج والحبيب ارشي كريستي. وهناك أبى القدر إلا أن تتضاعف صعوبة الامتحان. فقد أعلن ارشي أنه وقع في حب امرأة أخرى هي سكرتيرته. وبكت أجاثا ويقال إنها جثت على ركبتيها راجية حبيبها ألا يتخلى عن عهد الزواج وأن يفكر في الأمر. ولكن ارشي أصر على الطلاق.

سجل التاريخ أنها اختفت لمدة 11 يوما ولم يعثر لها على أثر إلى أن اكتشف وجودها البوليس في فندق صغير في مدينة هاروجيت حيث سجلت نفسها في الفندق باسم السكرتيرة ـ شريكة ارشي في الخيانة. ورصد الحادث على أنه فقدان ذاكرة من هول صدمة موت الأم وخيانة الحبيب.

ولكن أجاثا تكيفت مع الواقع واستأنفت الحياة والتقت في عام 1930 بعالم الآثار ماكس مالوان. فتزوجا وصاحبته في كل رحلاته الاستكشافية في الشرق الأوسط وعاشت معه زواجا مستقرا لمدة 46 عاما. ووظفت كل ما شاهدت في كتابة الروايات.

امرأة مبدعة تعالت على الألم ولم تفقد الثقة في كل رجل بسبب خيانة رجل واحد. عاشت ونجحت كنموذج لقدرة المرأة على تجاوز المحن.