اللعب مع الصغار

TT

الصورة كما يقال أبلغ وأقوى من أي تعليق، وفي اليومين الماضيين طالع قراء الصحف العربية صورتين بليغتين توضحان حجم المأساة السياسية الفلسطينية والهوة الهائلة الموجودة بين الطرفين المتصارعين. فصورة كانت تظهر الوجوم على المجتمعين في مؤتمر فتح بالضفة الغربية، وأخرى تظهر إسماعيل هنية القيادي بحركة حماس وهو يلعب كرة القدم في استاد رياضي مفتوح.

فصيل يعاني من الهرم والشيخوخة السياسية واهتراء في الجهاز التنفيذي بعد استشراء الفساد والمحسوبية فيه وابتعاده عن تمثيل متكامل للشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه وفئاته، وكان المؤتمر وطريقة انعقاده مرآة حقيقية تعكس الحال البائس للوضع الفلسطيني، فالمؤتمر الذي ينعقد بعد انقطاع لعشرين عاما لم يستطع أن يقدم تقريرا سياسيا وآخر ماليا كما جرت عليه العادة دائما لكي يستمر الغموض بالنسبة لتحركات فتح والتخبط الإداري فيها.

وكذلك كان موضوع تمثيل قطاع غزة قمة في الإهمال والإخفاق, فالمسألة لم تحدث بين يوم وليلة وكان ممكنا تدارك وضع غزة بقليل من التنظيم والتخطيط الماكر، إلا إذا كان هناك أطياف ترغب في تكريس فصل غزة عن سائر الأراضي الفلسطينية!

أما عن حماس التي تحولت إلى نموذج حزين للتشدد والتطرف والتسلط بالرأي والديكتاتورية المغلفة بالنكهة الدينية فهي باتت عنصر «شرذمة وتمزيق» بدلا من أن تكون أيقونة مقاومة وكفاح. حماس فشلت في استغلال العديد من المبادرات التي قدمت لأجل رأب الصدع الموجود مع التيارات الفلسطينية الأخرى، ووضح أن كرسي السلطة أهم عندها من الروح الوطنية نفسها.

ومن خلال النموذجين الموجودين اليوم على الساحة الفلسطينية يبدو واضحا أن حماس وفتح لم يعد لديهما الجدارة ولا القدرة على توحيد الصفوف وحث الروح الوطنية من جديد، وبات من الضروري عليهما الحل الصعب وهو الانسحاب وترك الساحة لغيرهما لأن الاقتتال البيني بات مشتتا للكل ويصرف الانتباه عن توحيد الصفوف لمواجهة التطرف الاستيطاني الإسرائيلي وكذلك عن مشاريع التنمية وعن الإصلاحات السياسية المطلوبة وبشدة.

غياب هذا الانسحاب السياسي المطلوب سيثبت فكرة «الدولتين الفلسطينيتين» دولة غزة ودولة الضفة، وهذا الوضع على الرغم من غرابته واستحالة توقع أو تصديق حدوثه بالنسبة للكثيرين فإنه ليس بعيدا في حالة استمرار تدهور الوضع السياسي البيني.

هناك انتفاضة شعبية فلسطينية مطلوبة ضد الاستبداد السياسي القائم اليوم.. ضد فتح وحماس اللتين باتتا عبئا على القضية نفسها.

الشعب العربي بكل أجياله المعاصرة دفع فواتير القضية الفلسطينية بصورة أو بأخرى، دفعها لأن كثيرا من قضايا التنمية عنده عطلت لأن «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» ذلك الشعار الأهوج الذي استغل أبشع استغلال من الكثيرين للاتجار بفلسطين والقضية، وبالتالي سيكون أكثر حساسية وعنفا في انتقاده للساسة والقادة الفلسطينيين ولن تكون لديه القدرة على الاستيعاب والتفهم والتقدير لمشكلاتهم. وجوه جديدة وسياسة مختلفة هما بداية الحل لإخراج فلسطين من أزمتها السياسية البينية.

[email protected]