الباب الدوار

TT

يتأخر اللبنانيون في العودة إلى دمشق، من دون تقرير شرعي مقنع. وقف ميشال عون في قصر بعبدا يعلن، في خطابه اليومي، انه «سوف يكسِّر رأس حافظ الأسد». وبدت المسألة صعبة قليلا على رئيس حكومة غير قادر على الخروج إلى حديقة القصر! لكنه قالها في أي حال. وصُفق له. وبعد قليل جاءت طائرات السوخوي السورية وأرسلت مكسر الرؤوس لاجئا إلى السفارة الفرنسية. ثم منفيا إلى فرنسا، التي كان رئيسها قد قال، إن المساس بعون «مساس بشرف فرنسا». ومن فرنسا ذهب عون إلى واشنطن. وفي واشنطن إلى الكونغرس بالذات، ومعه «قانون محاسبة سورية».

وبين خطاب التكسير وقانون المحاسبة والحلف مع صدام حسين، وشرف فرنسا من شرف عون، عاد الجنرال إلى بيروت وانتقد فرنسا وهاجم أميركا وذهب مظفرا إلى دمشق التي قاتلها عسكريا في سوق الغرب، ومدفعيا على بيروت الغربية، وخطابيا كل يوم، دون عطلة. دون «أخذ نفس».

وليد جنبلاط كان يقاتل ميشال عون، عسكريا، على جبهة سوق الغرب. وسياسيا على جبهة بيروت وفلسطين والقومية العربية والعلاقات المميزة مع سورية. وكان يقاتل، إضافة إلى عون، أو قبل عون، الأحزاب «الانعزالية» كالقوات اللبنانية والكتائب والأحرار. ولسبب، أو أكثر، ضرورة الاختصار، صار وليد جنبلاط حليفا سياسيا وانتخابيا للقوات والكتائب والأحرار. وكما وقف عون في بعبدا يكسر رأس حافظ الأسد وقف جنبلاط في ساحة البرج يريد تكسير رأس بشار الأسد، ولكن بعبارات أقسى. وسافر إلى واشنطن مرة مرتين والثالثة، وقال على التلفزيون جملته الشهيرة «زبَّال في نيويورك ولا زعيم في بيروت». ورفعت أعلام فرنسا في حديقة قصره، في المختارة. والشريط معروف ومذهل وليس لنا سوى أن نتذكره.

الآن، الزعيم الجنبلاطي عائد إلى دمشق. والوسيط الأول في العودة هو الوزير السابق وئام وهاب، السياسي الدرزي الذي قاد عملية شق الطائفة ضد زعيمها التقليدي. ولم ينسَ، قبل العودة، أن يهاجم أميركا و«الساعة السوداء» التي التقى فيها المحافظين الجدد.

دورتان طويلتان حول الأرض. ثم عودة إلى الباب الدوار في سياسات لبنان، الوطن الذي غنت فيه فيروز: «يا دارا دوري فينا، وضللي دوري فينا، تَ ينسوا أساميهم وننسى أسامينا».

هناك منطقان في لبنان؛ واحد للخروج، وواحد للدخول. وفي المنطقين يعلو الصوت وتتلى الذرائع المقنعة، وتتغير الأحلاف والمواقع والأماكن في سهولة مذهلة. والباب في مكانه. يستقبل ويودع ثم يرحب بالعائدين.