منطق الليكود.. في لبنان

TT

ستة عقود انقضت على وجود الكيان الإسرائيلي الدخيل على الشرق الأوسط.. وذهنية حكامه الليكوديين تؤكد أنه سيبقى دخيلا.

هل يعقل لدولة تتبجح بطول ذراع أجهزتها الاستخبارية، وتدرك مدى العداء الذي يكنه لها شعب بلد لا يمضي يوم واحد دون أن تنتهك سيادته.. أن تكون غافلة عن أن تدخلها في شؤون لبنان السياسية لا يمكن أن ينتج عنه سوى مردود عكسي لمصالحها؟

ربما كان الرعيل الصهيوني الأول أكثر واقعية في تعامله مع الجوار العربي من الجيل الليكودي الحاكم حاليا، وربما كان للتبدل الديمغرافي الناتج عن ارتفاع نسبة اليهود الروس في إسرائيل إلى 20 في المائة من مجموع سكانها أثر مباشر في تعزيز «غربة» إسرائيل عن محيطها المباشر، ناهيك عن تحويلها إلى مجتمع أكثر يمينية من ذي قبل نتيجة عداء اليهود الروس المبيت للنظام الشيوعي السابق في بلدهم، وما كان يعتبر، آنذاك، انحيازا سوفياتيا للعالم العربي.

ولكن السؤال يبقى: هل من «عاقل» في إسرائيل يعتقد أن القيادات السياسية في لبنان مستعدة للرضوخ إلى شروطها في تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة... مهما شفعتها بتهديدات؟

وحتى في أسوأ الحالات، أي في حال قبول القيادات السياسية في لبنان طلبها إقصاء ممثلي حزب الله عن الحكومة... هل يعتقد «ليكوديو» إسرائيل أن هذا الإقصاء سيؤدي إلى «عزل» حزب الله عن القرار السياسي في لبنان، أم إلى تعزيز شعبيته في الشارع اللبناني بعد أن أظهرت الانتخابات النيابية الأخيرة تراجع هذه الشعبية خارج الشارع الشيعي؟

في هذا السياق يجوز التساؤل عن جدوى شبكة التجسس الإسرائيلية الواسعة ـ التي كشفتها أجهزة الأمن العام اللبناني مؤخرا ـ إذا كانت معلومات عملائها، أو تحليل «الخبراء» الإسرائيليين لها، منطلق المواقف الليكودية الأخيرة من لبنان.

واستطرادا، ألا يدرك «ليكوديو» إسرائيل أن التهديد بقصف بنى لبنان التحتية وتدميرها، في حال نفذ حزب الله عملية ما ضد مصالحهم، من شأنه إثارة موجة عداء جماعي ضدها لأخذها الكل بجريرة البعض، كما فعلت في حرب صيف 2006... إضافة إلى أنه سيبرر أى إجراء أمني قد يتخذه حزب الله لمواجهة هذه التهديدات؟ لا جدال في أن للتهديدات «الليكودية» خلفية أخرى تمليها طبيعة الظروف الصعبة التي تمر بها حاليا علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة.

ولكن لو كان «ليكوديو» إسرائيل أقل جموحا وأكثر واقعية لأخذوا في الاعتبار المناخات التي يعيشها حزب الله في المرحلة الراهنة، فبين ترقب النتيجة النهائية لصراع الأجنحة في إيران، وانتظار الحصيلة المرتقبة من إعادة إحياء دبلوماسية التقارب السوري ـ الأميركي، يتصرف حزب الله في لبنان باعتدال لا يخفى على متتبعي خطابه السياسي، يشجعه في ذلك ما يشهده من انفتاح قوى سياسية عليه، كانت، حتى الأمس القريب، في عداد خصومه اللدودين.

وإذا كان حزب الله يزن خطاه وكلماته بدقة هذه الأيام، فالأرجح أنه لن يقدم، في المدى القريب على الأقل، على مغامرة عسكرية أو أمنية تبرر لهجة التهديد الإسرائيلية. وإذا جاز الاستطراد في هذا السياق جاز القول إن من مصلحة إسرائيل نفسها مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية العتيدة ـ تأكيدا لتحميله قسطه من المسؤولية حيال أمن لبنان ـ وليس إعفاءه من هذه المسؤولية بإبقائه خارج دائرة الحكم.

وأخيرا، لا آخرا، لو لم تكن قراءة «ليكوديي» إسرائيل للوضع الإقليمي والدولي متأثرة بآيديولوجية الحزب التوسعية، لتذكرت أن الإدارة الأميركية الجديدة ليست في وارد السماح لها بأي مغامرة أو تصعيد عسكري، في وقت تعمل فيه بكل ما أوتيت من سبل لإقرار خطة سلام شامل لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها... إلا إذا كان الهروب من هذه الخطة أحد الدوافع الخفية للتصعيد الإسرائيلي الراهن.