هيلاري تواجه سيل محاولات للحط من قدرها

TT

كان من المفترض أن تكون تلك الرحلة السبيل لإثبات التزام هيلاري رودهام كلينتون بالتعهد الذي أعلنته خلال جلسة الاستماع التي عقدت للتصديق على تعيينها وزيرة للخارجية، بأن تجعل من قضايا المرأة عنصرا «محوريا» في السياسة الخارجية الأميركية، وليس «ملحقة أو إضافية أو أدنى بأي صورة كانت».

من الصعب تخيل إطار عام أكثر درامية عما كان قائما بالفعل، حيث تجاهلت هيلاري المخاوف الأمنية التي أعرب عنها مساعدوها وسافرت إلى الكونغو التي شهدت تعرض مئات الآلاف من النساء للاغتصاب على مدار العقد الماضي. وزارت هيلاري معسكرا للاجئين، والتقت سيدة تعرضت لاغتصاب جماعي عندما كانت حاملا في شهرها الثامن، واستمعت لأخرى تعرضت لاعتداء جنسي تحت تهديد السلاح. وعلمت هيلاري بأمر أطفال فصلوا عن أجساد أمهاتهم باستخدام شفرات حلاقة. وتحدثت وزيرة الخارجية عن «الشر في أحقر صوره»، ووعدت بتقديم 17 مليون دولار لجهود التصدي للعنف الجنسي.

أما في الوطن، فإن الحديث برمته يتركز حول بيل كلينتون.

هل احتل دائرة الضوء بدلا منها برحلته إلى كوريا الشمالية؟ هل أثر نفوذه عليها بالسلب، على الرغم من غيابه، حتى في كينشاسا، عندما سألها أحد طلاب الجامعة عن وجهة نظر زوجها بشأن إحدى القضايا، مما أثار غضبها، وأثار تكهنات حيال مستقبل زواجهما وحساسيتها البالغة؟

في إطار جولاتها المستقبلية بمختلف أرجاء العالم في السنوات القادمة، ستجابه هيلاري صعوبة في جهودها لتعزيز قضية تمكين المرأة، بداية من حق المرأة الأساسي في التعامل معها بجدية. ويكمن السبب وراء ذلك ليس فقط في تردي أوضاع المرأة على نحو بالغ بشتى أنحاء العالم، وكم المشكلات الهائل الذي يواجهها، وبينها وفيات الأمهات والاتجار في البشر لأغراض جنسية والعنف الأسري وسوء التغذية وتدني المستوى التعليمي وغياب الرعاية الصحية المناسبة. ولا يقتصر السبب كذلك على أن التفويض التاريخي الذي نالته هيلاري ـ بتمكين النصف الآخر من البشرية على نحو مكافئ للرجال، والتصدي للقوى الرامية «للحط من قدر النساء»، حسب تعبير ميلان فرفير، السفيرة المتجولة المعنية بقضايا المرأة العالمية لدى وزارة الخارجية ـ يتسم بقدر بالغ من الضخامة والغموض. وإنما يتمثل سبب آخر في فيضان محاولات التقليل من شأن كل ما يرتبط بهيلاري، الأمر الذي يهدد بتقويض أي جهود بناءة قد تقدم عليها لصالح أناس تعرضت مشكلاتهم للتهميش على امتداد فترة طويلة داخل عالم الدبلوماسية الذكوري، وهو أمر مؤسف للغاية.

ربما تكون اللحظة الراهنة مناسبة لأميركا كي توفي بمسؤولياتها حيال المرأة. في الواقع، إن سجلنا خلال السنوات الأخيرة على هذا الصعيد مظلم. من جهتها، بعثت إدارة بوش بأفراد مناهضين للمرأة لتدريب النساء العراقيات بمجال الديمقراطية القائمة على المشاركة. كما سحبنا تمويلنا لصندوق السكان التابع للأمم المتحدة، وفرضنا قاعدة خانقة على العالم تحرم المنظمات الصحية المعنية بالمرأة التي تتناول قضية الإجهاض من تلقي تمويل أميركي. كما أننا لم نصدق قط على «معاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة»، وهي معاهدة تتعلق بمستوى أساسي من حقوق الإنسان. علاوة على ذلك، فإن افتقارنا إلى قانون يكفل إجازة أمومة مدفوعة الأجر جعلنا أشبه بأضحوكة على مستوى العالم.

إلا أن الأوضاع قد تتبدل الآن، وليس داخل وزارة الخارجية فحسب، ذلك أنه داخل مجلس الشيوخ، تقود باربرا بوكسر لجنة فرعية مكلفة بتناول القضايا العالمية المرتبطة بالمرأة. ويناقش الكونغرس حاليا مشروع قانون لمكافحة زواج الأطفال.

وعلى الرغم من ذلك، فإن وزيرة خارجيتنا لا تزال تعاني من نمط واضح من محاولات الحط من قدرها لكونها امرأة. منذ أسبوعين، اضطرت «واشنطن بوست» إلى حذف كاريكاتير فكاهي هزلي وضعه اثنان من الصحافيين السياسيين البارزين بها، وضع صورة وجه هيلاري بجانب زجاجة تحمل اسم «جعة»، في محاولة واضحة للحط من قدرها. ولا شك أن هذا الأسلوب يحمل نذير شؤم بالنسبة لقدرة البلاد على التعامل معها ـ والقضايا التي تناصرها بقوة ـ بالقدر الملائم من الاحترام.

في إطار محادثة جرت بيننا، أخبرتني فرفير بأن «أمامنا عملا نقوم به على الصعيد الداخلي. وكثيرا ما نحط من أهمية هذه القضايا (قضايا المرأة)، ودائما تضع العبارة بين علامتي تنصيص في إشارة إلى تلك الفئة القاصية عن دائرة الاهتمام من القضايا. وما يتوجب علينا فعله هو إدراك أنه إذا ما أردنا للمجتمعات أن تزدهر وإذا ما رغبنا في ضمان أمننا، فعلينا برفع شأن المرأة».

من جانبها، تضع الإدارة الحالية قضايا المرأة في إطار سياسي واقعي يقوم على أن أمن الولايات المتحدة يعتمد على تمكين المرأة، وأن النمو الاقتصادي العالمي يعتمد على مشاركة المرأة.

ولا يمكن تحقيق تمكين المرأة في نهاية الأمر عبر استخدام السلاح أو العقوبات الاقتصادية أو حتى الانتقادات العلنية، إذا ما تعارض مع ممارسات ثقافية مقبولة. وينطوي هذا الأمر على قدر بالغ من الفوضى، ذلك أن أكثر حلفائنا حساسية يتسمون بسجلات مريعة على صعيد حقوق المرأة. من ناحية أخرى، فإن البرامج التي تبدي نجاحا تتسم عادة بالتحرك البطيء والتدريجي. والتساؤل الآن: هل يمكن لكل هذا التعقيد اجتذاب ـ ناهيك عن الإبقاء على ـ اهتمام الرأي العام؟ ربما، لكن إذا توقفنا عن التعامل مع كل ما تقوم به هيلاري باعتباره أمرا مسليا.

* خدمة «نيويورك تايمز»