والآن بعد القرار..

TT

في موسم الصيد المفتوح على رجال الأعمال، يذهب البعض كضحايا بذنوب وخطايا غيرهم بالرغم من كونهم مجتهدين وناجحين، ولكن الحسد والشماتة والتشفي باتت سمة لا يمكن إنكارها في المناخ المسموم لعالم الأعمال المتقلب.

وفي السعودية وتحديدا في مدينة جدة أصدر القضاء أخيرا كلمته النافذة آمرا شركة «صدق» المساهمة بإعادة مبلغ كبير كانت جمعية «البر» بجدة أودعته فيها لأغراض الاستثمار وتطوير العوائد بشكل أفضل حتى يتمكن مجلس إدارة الجمعية من تنفيذ خططها بشكل أكثر فعالية، وكان صاحب قرار الاستثمار هذا رجل الأعمال صالح التركي الذي عرف عنه أسلوب الإقدام والجرأة في إيجاد الحلول وكسر حواجز الروتين.

واستعمل الرجل علاقاته في جمعية «البر» وفي شركة «صدق» لتسهيل هذا الإجراء. وبعد أن خرج من مجلس إدارة شركة «صدق»، رفضت الشركة إعادة المبلغ وأصدرت تصريحات غريبة تبين أنه لا علاقة لها بالمبلغ ولا بقرار المجلس السابق، وفتحت على صالح التركي نوافذ من الجحيم وانهالت عليه الاتهامات، إضافة للنبش في النوايا والغايات التي يقف وراءها وانسلت السكاكين والألسن شامتة وفرحة بهذا الفيضان من الاتهامات والاهتمام السلبي. وقرار المحكمة الأخير هذا يعيد الأمور إلى حيزها العقلاني ويضع الأمور في نهجها الصحيح بدون مبالغات ولا تضخيم، ويفصل في خلط الأوراق والمسائل بين البحث في مسائل محددة وتقنية والمساس بأخلاق وشخصيات الرجال. من اللحظة الأولى كان هناك أمر غريب من هذا الحماس الكبير في التعاطي مع المسألة واستخدام مصطلحات «كبيرة» عادة تخصص لمسائل ومواضيع أدق وأخطر.

الواقعة هذه بالرغم من قصر مدتها وانقضائها بسلام، كشفت أوجه قصور مهمة بحاجة للتدارس والبحث. أولها حيز المساحة الموجودة لتطوير مداخيل الجمعيات الخيرية وكيفية القيام بهذه المسألة العامة. ثانيا علاقات مجالس إدارات الشركات المساهمة ببعضها وكيفية احترامها للقرارات السابقة وأثر ذلك على مناخ الثقة في المنشآت نفسها. ثالثا عدم تحويل ساحة الإعلام إلى حلبة تصفية نفوس و«تخليص ثار قديم» كما كان واضحا، فكان هناك من يحاول سداد أرصدة قديمة بذريعة هذه القصة ليس إلا. نعم هناك من رجال الأعمال من أساء للمهنة ولمجتمع رجال الأعمال وأضر بتصرفاته الخاطئة غيره وجعل الصورة النمطية السلبية لرجل الأعمال كاستغلالي وضعيف النفس وفاسد تتركز في عقلية الناس وبقوة إلا أن هناك من رجال الأعمال من آمن حقيقة بالعمل التطوعي وحاول أن يضيف له قيمة وأن يطور في أسلوب الإدارة ونهج العمل وقد يكون ثمن ذلك متاعب شخصية أو معارك جانبية أو تجريحا أو نميمة أو طعونا في الظهر.

كان المفترض الحكم على تجربة صالح التركي قبل التسرع في الحكم على شخصه، فسجله الإيجابي في جمعية «البر» (كما في مواقع أخرى من العمل التطوعي) يتحدث عن نفسه ويبرهن بالأدلة والمواقف والأرقام كيف تمكن من تحقيق نتائج إيجابية قابلة للتحقق والقياس. وبهكذا رؤية سيكون من الممكن تقديم حكم «متوازن» غير عصبي ولا متشنج على الواقعة. لأن الغرض الأساسي (أو هكذا أتوقع وأتمنى) أن يصحح الخطأ إن وجد، وليس القيام بجريمة اغتيال الشخصية في المجتمع أو كما يطلق عليها CHARACTER ASSAINATION لأننا كمجتمعات إذا رضينا أو شجعنا أو حتى غضضنا النظر عن ذلك سنساهم بسلبية قاتلة في تغييب عناصر منتجة وفعالة وإيجابية بدلا من الحرص على إبقائها وتحسين مناخ العمل لها.

هناك عبر مهمة من هذه الواقعة، أتمنى أن يكتب لنا الاستفادة منها والحرص على عدم تكرارها مستقبلا؛ مجتمع الأعمال جزء مهم من النسيج العام ولا يمكن الفرح بتهييج حالة العداء المستمر ضده، فالخاسر حتما سيكون المجتمع بصورة عامة وهي خسارة كبرى بفاتورة باهظة الثمن. قرار المحكمة فيه رد اعتبار معنوي لصالح التركي ولكن الأهم العبرة والدرس الكبير للكل.

[email protected]