العائدون والظاهرون

TT

لن نبقى في هذا السبات. لن نستمر في هذه الفوضى. التخلف ليس قدراً والفقر ليس قدراً والخمول ليس قدراً. سوف ننهض ذات يوم كما نهضت بولندا من قرنين من الذل والقهر والاستعمار والقضم.

سوف نعود إلى الحياة والبناء والمنافسة والازدهار، كما عادت الصين. سوف نبدأ في تسجيل مراكز التقدم كما تفعل تركيا. سوف ننفض الغبار والصدأ والنعاس واليأس كما تفعل الهند. لن تبقى بلادنا في آسيا عنوان التأخر. لن تنهض آسيا كلها ونبقى في الدواوين والتكايا ومقاهي البطالة وتجارة القاصرات وبيع النساء وتهجير المواطنين خلف الرغيف في بلدان أخرى.

إذا رفضنا النموذج الغربي في الماضي بسبب ذكريات الاستعمار، فيجب ألا نرفض النموذج الآسيوي اليوم. نحن جزء من هذه القارة. وفي هذه القارة المعدمة والفقيرة والخاملة ذهب زعيم الصين دنغ كياو بنغ ذات يوم إلى بلد يدعى سنغافورة وقال لرئيسه لي كوان يو: علمني، ماذا أفعل لكي تصبح الصين في مثل ازدهارك. وقال له صاحب البلد الصغير والتجربة الكبرى: وسع نافذتك، ثم، أولا، أرم الدوغما الشيوعية الضيقة والمتصلبة. ثم ثانياً تطلع إلى ما وراء النافذة وانفتح على ما تراه. لا تتجاهل وجود العالم. ومنذ ذلك اليوم لم تعد الصين كما كانت. ولا عادت روسيا كما كانت. لقد رمتا مرحلة الألفاظ من الشباك. ومعها مرحلة الذل والفقر. لم تعد روسيا تريد محاربة أميركا في أنغولا بل محاربة الجوع في موسكو وفي سيبيريا. ولم تعد الصين تسعى إلى فرض تعاليم ماو على الكوكب بل رفع مستوى المعيشة لمليار بشري يرتدون زياً واحداً ويتناولون كمية واحدة من الأرز ويقرأون كتاباً واحداً مثل كتب البصارين فيه علاجات كل الآفات.

لقد أصبحت بولندا، القائمة من رماد قرنين، الدولة السادسة في أوروبا الموحدة، بعد ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا وإسبانيا. لم تكن يوماً إمبراطورية بل ضحية الامبراطوريات. ونحن، متى نعود؟