اتركوا الأسلحة في البيت

TT

لنفكر في هذا الأمر: ماذا كان سيقول المحافظون إذا قامت مجموعة من اليساريين الحقيرين ذوي الأصوات العالية بإحضار الأسلحة إلى المناسبات العامة للرئيسين السابقين رونالد ريغان وجورج دبليو بوش؟.. وكيف كان أصدقاؤنا في اليمين سيتصرفون إزاء شخص يحمل سلاحا في خطاب لريغان أو بوش، مكتوبا عليه «لقد حان وقت ري شجرة الحرية»؟.. ربما يكون ذلك إشارة إلى إعلان توماس جيفرسون أن الشجرة «يجب أن تنتعش من وقت إلى آخر بدماء الوطنيين والمستبدين».

عذرا، ولكنني لا أعتقد أن المحافظين كانوا سيتحدثون دفاعا عن حقوق كل ماركسي أميركي في حمل الأسلحة أو إراقة دماء المستبدين. وفي الواقع، لم يرغب أصحاب بوش في وجود أي معارضين على الإطلاق. ولنتذكر حادثة 2004 عندما تم إلقاء القبض على والدة ثكلى لأحد الجنود الذين قتلوا في العراق بسبب سيرها في مظاهرة بأحد شوارع نيوجيرسي. ولم تكن هذه الأم المعتقلة مسلحة. وربما إذا كانت كذلك لدافع عنها مؤيدو حمل الأسلحة.

وقد أبدى البيت الأبيض تفهما وانفتاحا لفكرة حمل الأسلحة خارج المناسبات التي يحضرها الرئيس، كما قال روبرت غيبس المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض يوم الثلاثاء إن «هناك قوانين تحكم حمل الأسلحة النارية يتم تشريعها من جانب الولايات أو بصورة محلية. وهذه القوانين لا تتغير عندما يأتي الرئيس إلى الولاية أو المقاطعة المحلية الخاصة بكم».

وقد جعلكم غيبس تتذكرون منهج الليبراليين القدماء الذين يتميزون بانفتاح العقل لدرجة أنهم لا ينحازون إلى أي من الطرفين في المناقشات. وما يحتاج إلى علاج ليس ما يختص بالناحية القانونية، ولكن ما يحتاج إلى علاج هو تلك الرسالة التي يبعث بها هؤلاء ممن يحملون مثل هذه الأسلحة. ولا يتعلق الأمر بالمبادئ السياسية لأحد الأحزاب. ولكنه يتعلق بسياسات المتشددين. ولا يتعلق بالمعارضة التي لها كل الحق في حرية التعبير. بل يتعلق بالأقلية الغاضبة التي تشعر بالخوف الذي يغذيه التهديد بالعنف.

وهناك مشكلة فلسفية هنا يغطيها الخوف من أن الكثير من السياسيين والجهات الإعلامية يبدو أنهم مبتعدون عن ما يسمى قلب الأرض الأميركية.

والحقيقة البديهية هي أن المواطنة المسلحة ليست أساس حريتنا. فحريتنا تعتمد على التوافق والإجماع الأخلاقي، وهي تزدهر مع القانون، ونحن بديمقراطيتنا ننجح في تسوية خلافاتنا من خلال الحوار العقلاني الذي ربما يكون خشنا في بعض الأحيان. ولا تقوم الانتخابات الحرة والحوار المفتوح على العنف أو التهديد بالعنف. فهي على وجه التحديد بديل العنف، وليس هناك للأسلحة مكان فيها.

وعلى العكس، فإن العنف والتهديد بالعنف كانا دائما مستغلين من قبل أولئك الذين يرغبون في تجاوز الإجراءات الديمقراطية وحكم القانون. فالإعدام من دون محاكمة قانونية كان عمل أولئك الذين رفضوا ترك النظام القانوني يقوم بعمله. وكانت الأسلحة تستخدم في أيام الانتخابات في الجنوب أثناء وبعد عهد إعادة التعمير لتخويف الناخبين السود والتحكم في حكومات الولايات.

نعم لقد قمت بإثارة مشكلة الأصل العرقي، ومن المثير للقلق أن الأسلحة قد بدأت في الظهور بصورة متكررة في المناسبات الرئاسية العامة في هذا الوقت فقط، الذي يكون فيه الرئيس أسود اللون. وليست مشكلة الأصل العرقي هي المشكلة الوحيدة هنا، وليس لديّ علم بالدوافع الشخصية لهؤلاء الذين يحملون الأسلحة. لكن بلدنا لديه تاريخ حافل بالمشكلات الخاصة بالأصل العرقي، ونحن نحتاج إلى أن نكون أمناء تجاه هذه المشكلات. وعلى هؤلاء الذين يحملون الأسلحة أن يعلموا الذكريات التي يثيرونها. وهل يمكن لأحد أن يخبر هؤلاء الذين يحملون الأسلحة كيف أنهم بغبائهم وعدم أخذ القانون في اعتبارهم يجعلون صورة بلدنا تبدو في أعين الكثير من دول العالم، صورة سيئة؟.. ألسنا نحن البلد الذي يحث الدول الأخرى على اتباع نتائج صناديق الاقتراع بدلا من الرصاص؟

وكل ذلك يحدث أثناء احتدام الجدل بشأن عرض الرئيس لبرنامج الرعاية الصحية. وهناك الكثير مما يدعو إلى القلق في هذا النقاش. وإطلاق الرصاص على المتحدثين لم يكن شيئا جيدا على الإطلاق، وهناك الكثير من الأكاذيب بشأن محتويات قوانين الرعاية الصحية. ويجب مجابهة هذه الأكاذيب، ولكن الحرية تشتمل على الكثير من صور الفوضى والصراع المفتوح بين الأفكار، حتى عندما يقول بعض الأحزاب إن الأشياء ليست حقيقية ويتصرفون بطرق غير متحضرة.

وإذا لم نلفت الانتباه نحو تهديد العنف، فإن الديمقراطية تبدأ في الخفوت. وتصبح القوة بدلا من العقل هي وقود الحياة السياسية. فهل يمكن لبعض الجماعات العاقلة من المحافظين أن يحثوا زملاءهم على ترك أسلحتهم في بيوتهم عندما يذهبون إلى التظاهر ضد الرئيس؟.. وهل ذلك كثير؟

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»