مزاج عربي إيجابي على غير العادة

TT

يبدو أن الأزمات لم تفلح في تبديل المزاج العام في المنطقة العربية، الرغبة في السلام ونبذ العنف.

ومن أين لي أن أقرر ذلك؟

كل الأحداث الدامية التي مرت، والخلافات الظرفية التي بنيت عليها أيضا لم تفلح في استمالة أي تيار شعبي، ولهذا لم تدم طويلا. فالانتخابات اللبنانية مرت وانتهت في مناخ أفضل حتى من توقعات المتفائلين. ومؤتمر حركة فتح الفلسطينية عقد في الضفة الغربية بعد أن ظن باستحالة التئامه، ونجح في أهدافه، رغم كثرة العراقيل، وزحام المشاركين، واختلافات الرؤى. فالنزاع الفلسطيني أصبح لا يجد مؤيدين له في المنطقة سياسيا وإعلاميا. وتفجيرات بغداد، رغم نجاحها وبشاعتها، لم يصدر بيان واحد يتجرأ على تبنيها أو الدفاع عنها.

في نفس الوقت استمر المبعوثون في رحلاتهم ببطء السلحفاة لكنهم على الأقل يسيرون إلى الأمام.

كل المعارك والأزمات تمثل مجموعة أحداث تميزت عن مثيلاتها في الأزمنة الماضية بأنها مرت على المنطقة وخرجت منها بسلام، وبأقل قدر من الأضرار. وها نحن ننهي الصيف على غير عادة بلا حروب، أو معارك، أو كوارث. والسبب في رأيي أنه ليس هناك نقص في الأزمات بل ظهور شعور إيجابي عام ينحو باتجاه الأمل بالسلام، وهذه مشاعر متفائلة جديدة رغم كل الصعوبات السياسية والاقتصادية التي يمر بها الناس هنا.

ولا يمكن أن نهون من قيمة الشعور الشعبي حيال أي شأن عام، الذي ربما لا يبدي الكثير من الحماس اليوم لروايات المفاوضات ووعود السلام بسبب السراب الأزلي، إنما يعمه أولا شعوره بالاشمئزاز من كل محاولة فتح معركة جديدة وفي نفس الوقت يريد أن يعطي السلام فرصته. لهذا لم يطل شجار حماس ضد فتح، ولم يرغب أحد في متابعة معركة حماس مع الحركة السلفية الجهادية في غزة، ولم يلق أحد باله للعنف في العراق رغم تزايده في الآونة الأخيرة. وباستثناء أحداث إيران المتواصلة، التي لم تنسكب على الجانب العربي بعد، فإننا نكون قد عشنا أياما هادئة وصيفا ساكنا على غير المعتاد.

ولو استطاع المفاوضون استثمار المزاج العربي الواضح ضد جبهات الرفض التقليدية وطرح مشروعهم الصعب للسلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والسوري ـ اللبناني ـ الإسرائيلي، لربما حملت الرياح الجميع نحو وجهة جديدة. فالقيادات السياسية العربية دائما تعاني من فوبيا الشارع العربي، والخوف الدائم من الرفض، وتبعات ذلك على قدراته القيادية الداخلية والخارجية. إن أحدا لا يستطيع أن ينكر على الرئيس الفلسطيني، كما أنكر على الرئيس الراحل ياسر عرفات عندما فاوض في طابا وما سبقها. ولا أحد سينكر على الرئيس السوري لو توصل إلى اتفاق سلام بشأن الجولان، كما كان ينكر على الرئيس المصري الراحل أنور السادات عندما فاوض على سيناء. بالفعل تغير العالم العربي نحو القبول بفكرة السلام دون أن يعني هذا أنه سيقبل بسلام ناقص. فسورية لا تستطيع أن توقع سلاما بدون كل الجولان. ولا يستطيع الفلسطينيون أن يذهبوا باتجاه حل بدون القدس الشرقية. ما عدا هذه المسائل الأساسية فإن بقية القضايا قابلة للنقاش.

[email protected]