لماذا يحتاج الأفغان إلى انتخابات؟

TT

لم توار حركة طالبان في صياغتها للمنشورات التي وزعتها في مختلف أنحاء جنوب أفغانستان نهاية الأسبوع الماضي، فقد هددت إحدى هذه الرسائل الخطية بقطع أذن وأنف أي شخص يتجرأ على الذهاب للادلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية. وقالت الحركة في منشور آخر، إن أي شخص سيظهر على أصابعه الحبر، الذي يعرف من الشخص الذي أدلى بصوته في الانتخابات، سيكون عرضة لذلك أيضا. وقالت في منشور ثالث إنه على «السكان المحترمين» التفكير مرتين قبل دخول صناديق الاقتراع لأنهم معرضون إذا قاموا بذلك لأن يكونوا ضمن «ضحايا عملياتنا». وبصيغة أخرى يعني ذلك: لا تذهبوا إلى صناديق الاقتراع وإلا سوف ننسفكم.

إنها رسالة شديدة، ولكنها مفيدة جدا في اتجاه، ففي بعض الأحيان عندما ينعم أحدنا النظر طويلا في أفغانستان، فإنه يرى خيوطا معقدة ومتشابكة كخيوط العنكبوت، حيث توجد المئات من المجموعات العرقية والعشرات من اللغات وعائلات سياسية تنساق في اتجاهات عدة بسبب الفساد والمخدرات ومليارات الدورات التي تأتي في صورة مساعدات من الدول الغربية.

ونتيجة لذلك، فإنه حتى من كانوا هناك لمدة طويلة لديهم مشكلة في تحديد من نحارب ضده، ففي بعض الأحيان توصف حركة طالبان على أنها قوة أيديولوجية وفي أحيان أخرى توصف بأنها تحالف عرقي موسّع، وفي حين ثالث توصف بأنها عصابة من المرتزقة تضم رجالا يقاتلون لأنه لا يوجد لديهم شيء آخر يمكنهم القيام به. ولكن ربما يمكننا مع هذه الانتخابات البدء في استخدام تعريف أدق، فحركة طالبان هي الحركة التي تريد نسف مراكز الاقتراع.

ويعد هذا التهديد مفيدا من ناحية أخرى، فهو يذكرنا بما نقاتل من أجله وأعني بذلك أننا ببساطة نحارب من أجل «الديمقراطية». وعلى أي حال فإننا لا نسعى إلى خلق نوع من المناخ الجفرسوني (نسبة إلى الرئيس الأميركي توماس جفرسون) داخل هذه المنطقة الممزقة داخل آسيا الوسطى. ولكننا نسعى إلى إيجاد حكومة أفغانية يعترف بشرعيتها أغلبية الأفغان. وبذلك تكون هذه الحكومة قادرة على منع عودة البلاد إلى أن تكون ملاذا لمعسكرات تدريب الإرهابيين. ولو كان هناك شخص مقبول لدى جميع الفصائل، فربما نفكر في مساعدة الأفغان على العودة إلى الملكية. ومن هذا المنطلق، فإنه لو كان لدى الأفغان استعداد لقبول دمية أميركية، فربما نفكر في هذا أيضا، ولكني أشك في ذلك. لا يوجد ولن يكون. ويعني ذلك أن الانتخابات الديمقراطية، التي يدعمها أغلبية الأفغان، هي الوسيلة الوحيدة لإضفاء الشرعية على أي حكومة داخل أفغانستان. ولا يعني ذلك أننا نرفع من وتيرة الأحداث بدرجة كبيرة عندما نقوم بعقد انتخابات داخل أفغانستان، ولكن لا يوجد لدينا أفضل من ذلك.

وهذا هو السبب الذي يدفع حركة طالبان إلى ترويع الناخبين داخل أفغانستان، فهي لا يمكنها وقف العملية الانتخابية برمتها ولن يمكنها إغلاق جميع مراكز الاقتراع. ولكن ليس هذا هو هدف حركة طالبان، فهي تسعى إلى جعل الانتخابات تبدو غير شرعية، ومن ثم تحوم الشكوك حول حق الرئيس في الاضطلاع بمهام الحكم حول الفائز مدة بقائه في المنصب. وإذا تمكنت الحركة من تقليل إقبال الناخبين بدرجة كبيرة في المنطقة الجنوبية من البلاد، وإذا كانت قادرة على ترويع النساء ومنعهم من الادلاء بأصواتهم وإذا كانت قادرة على المحافظة على الشكوك حول نزاهة عملية فرز الأصوات، وفوق ذلك كله، إذا كانت قادرة على إقناع الأفغان بأن الانتخابات غير حاسمة، فإنه سوف تحقق مطمحا كبيرا.

ودون شك فإن من سيفوز سيتحمل تبعة ذلك كله. وهناك منتقدون عدة لحميد كرزاي، الرئيس الحالي، ويتهمه المنتقدون بالفساد، كما أنه يحظى بعدد قليل من المعجبين يعتقدون أنه تصالحي. ويعد أشرف غاني، وزير المالية السابق، اقتصاديا نابغا ولكنه بعيد نوعا ما عن المواطنين العاديين. ولدى وزير الخارجية السابق عبد الله عبد الله ووزير التخطيط السابق رمضان بشاردوست، وجميع المرشحين الآخرين الذين يبلغ عددهم 41 مرشحا مزاياهم وعيوبهم، ولكن ليست هذه هي القضية، فلا يهم من يفوز في هذه الانتخابات، ولكن ما يهم هو الطريقة التي يفوز بها الفائز وأن تكون نتيجة الانتخابات مقبولة لدى معظم الأفغان. وتعد القوات الأميركية وقوات الناتو التي توفر الأمن لمراكز الاقتراع خلال الأسبوع الجاري عنصرا هاما في هذه النتيجة، وكذا الحال بالنسبة لإذاعة أفغانستان الحرة، التي كانت الراعي المشارك لأول مناظرة رئاسية متلفزة في البلاد خلال الأسبوع الحالي. (قال مدير المحطة أكبر إيادي إن عملية إقناع الناخبين بالمشاركة كانت صعبة جدا).

ومع ذلك، يقل ذلك كثيرا بالمقارنة بأهمية ما سنقوم به في أعقاب الاقتراع، حيث يجب أن تكون سياستنا، وأعني بذلك سياسة العالم الغربي والأمم المتحدة، هي قبول ودعم أي مرشح يظهر على أنه الفائز الشرعي مع إضفاء مقدار أكبر من المصداقية الفائز وإضعاف قيادات حركة طالبان الذين عارضوا الانتخابات. ويجب علينا القيام بما نستطيع، وأعرف أنه ليس كبيرا، لحث جيران أفغانستان ـ إيران وروسيا وباكستان ـ على القيام بنفس الأمر. وإذا لم يظهر لأي سبب من الأسباب رئيس يحظى بالشرعية فسوف تنتشر الخيوط المتشابكة، وسوف تبدأ العائلات والقبائل والمرتزقة مدفوعو الأجر في اختيار الجانب الذي يتجهون نحوه، وسيحظى مَن ينسفون مراكز الاقتراع على مصداقية وسيكون علينا التفكير بجد في الاستمرار داخل أفغانستان.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»