البارانويا الإيرانية

TT

قبل عامين، أطلق سراحي من سجن إفين بعد أن قضيت 105 أيام في الحبس الانفرادي بعد أن أُلقي القبض عليّ في مطلع 2007، بتهمة مضحكة وهي محاولة إشعال «ثورة مخملية» للإطاحة بالحكومة الإيرانية. وحبستني وزارة الاستخبارات كسجينة سياسية. وهذا الشهر اعترف الرئيس محمود أحمدي نجاد بعبثية هذه التهم، موضحا السبب الذي جعله يقيل وزير استخباراته، حيث أشار إلى أن الوزير جعل نفسه موضع سخرية باتهام «امرأة تبلغ من العمر 70 عاما» بالسعي إلى بدء ثورة (في الواقع، كنت أبلغ من العمر 67 عاما في ذلك الوقت). وقال أحمدي نجاد إن وزير الاستخبارات كان عليه أن يكتشف المحرضين الحقيقيين الذين يقفون وراء هذه المؤامرة.

وتتخيل الحكومة الإيرانية أنها تتعقب الآن المحرضين الحقيقيين، ولا ترى الدمار الذي تتسبب فيه داخل مجتمعنا.

لقد ألقي القبض على الآلاف خلال احتجاجات وقعت في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي انعقدت في 12 يونيو (حزيران) الماضي، والتي يعتقد الكثير من الإيرانيين أنه تم تزويرها لصالح أحمدي نجاد. وقُدّم أكثر من 100 من المحتجين وقادتهم إلى المحاكمة خلال الشهر الحالي. ما التهمة؟ محاولة إشعال ثورة مخملية بدعم من حكومات أجنبية. وكان بين المتهمين متظاهرون عاديون ونائب رئيس سابق وأعضاء سابقون في البرلمان وواضعو استراتيجيات كانوا يعملون لصالح مرشحَيْن رئاسيين معارضين، هما مير حسين موسوي ومهدي كروبي، خلال الانتخابات المتنازع على نتيجتها. وفي الواقع، لقد بدأت الثورة تأكل أولادها.

وخلال استجوابات استمرت على مدار أسابيع إبان فترة بقائي رهن الحبس عام 2007، فهمت البارانويا التي تدفع الهيئات الأمنية والمتعصبين داخل إيران، فهؤلاء الرجال يخشون أن يتم الإطاحة بهم من خلال حركة شعبية يقوم بها مواطنوهم، على غرار التحركات الشعبية أو «الثورات المخملية» التي أطاحت بالنظم الأوتوقراطية التابعة للإمبراطورية السوفياتية السابقة في شرق أوروبا ووسط آسيا ومنطقة القوقاز. وقد أقنع هؤلاء أنفسهم بأن هذه التحركات السابقة لم تنشأ داخليا ولكن خططت لها وأدارتها الولايات المتحدة. ويعتقدون أن أميركا تخطط للقيام بعملية تغيير مماثلة داخل إيران.

وأوضح المحققون لي أن الولايات المتحدة المثقلة بحربين في العراق وأفغانستان لم تعد تفكر في القيام بعمل عسكري ضد إيران. وقالوا إنه بدلا من ذلك دخلت واشنطن في خطة على المدى الطويل بهدف تغيير النظام تم إحالة الدور المهم فيها إلى جامعات أميركية كبرى ومراكز بحثية، مثل المركز الذي أعمل لصالحه. وتستهدف هذه المؤسسات النخبة المثقفة داخل إيران، وهي نفس الطبقة التي قادت الثورات السياسية في جورجيا وأوكرانيا. وتستخدم الزمالات والمؤتمرات وورش العمال والدعوات لإلقاء محاضرات بهدف تجنيد مثقفين وصحافيين وأكاديميين ونشطاء سياسيين إيرانيين وتحويلهم إلى شركاء في هذه المؤامرة بقصد ودون قصد. وتغذي الخطة نفسها أفكار ثم تجنيد ثم علاقات مع ساسة ثم احتجاجات شعبية ثم بعد ذلك الإطاحة بالنظام الحاكم.

وكان من المفترض أنني العقل المدبر أو على الأقل لاعب مهم في هذا المشروع، وعرض عليّ رئيس المحققين السماح بإطلاق سراحي إذا ما ورطت المؤسسة التي أعمل لديها «مركز وودرو ويلسون الدولي للأكاديميين» في ذلك. وفي هذه المرحلة قلت للمحققين إن إيران ليست دولة يسهل تغيير الحكم فيها من قِبل 20 أكاديميا يجلسون حول مائدة مؤتمرات.

وفي نهاية المطاف أُطلق سراحي. وخلال المحاكمات الجماعية التي بدأت الشهر الحالي، ذكر مدعي الحكومة نفس «المؤامرة» التي اتهمت بها. وتمكن مستخدما نفس المنطق المجنون الذي واجهته خلال فترة التحقيق معي من الربط بين حكومات أجنبية وهيئة الإذاعة البريطانية وصحافيين آخرين ومدرسة لغة فرنسية وملكيين معادين للنظام ومنظمة مسلحة سابقة وقادة بارزين في الجمهورية الإسلامية. وجميعهم اتهم بالتعاون من أجل تغيير نظام الحكم.

لقد تدفق مليون إيراني إلى الشوارع في يونيو (حزيران) دعما لموسوي وللاحتجاج على سرقة الانتخابات. وبعث المحتجون الخوف في أوصال النظام الحاكم، وبدا أن أخوف ما تخافه الهيئات الأمنية يحدث. والواقع أن هؤلاء المحتجين يدعون لإجراء إصلاح لا ثورة، فقد رأى المتظاهرون في موسوي إمكانية التغيير: مساحة أكبر من الحريات السياسية والمجتمعية ونهاية للخوف من البوليس السري وشرطة الأخلاق وسياسة خارجية أكثر اعتدالا وانفتاحا أكبر على العالم الخارجي. ولكن هذا تحديدا هو التغيير الذي يخشاه المتشددون الإيرانيون. لقد شعر النظام بالخوف واتخذ إجراءات صارمة بصورة وحشية وظهرت العناصر الأكثر تشددا على القمة. إنهم يضعون الأجندة ويرون فرصة لتخليص أنفسهم نهائيا من المعتدلين والإصلاحيين داخلهم. ولذا كانت المحاكم الصورية والاعترافات القسرية والدعوات إلى مقاضاة موسوي وكروبي.

والنتيجة هي انقسام كبير في القيادة الإيرانية، وقد كان للمحاكمات جاذبية في الداخل مثل الخارج. ووصف إيرانيون بارزون الإجراءات في طهران بأنها «ستالينية»، وأصر كروبي على أن هناك سجناء تعرضوا للتعذيب والاغتصاب والقتل وأخذت الانتقادات تنال من المرشد الأعلى.

وكما أشار كروبي فإن حالة عدم الرضا المستشرية لن تهدأ بسهولة، حيث يخشى متشددو إيران منذ فترة طويلة من تغيير مدفوع من الخارج. ومن المثير للسخرية يبدو أنهم حققوا ما عجز عنه «أعداؤهم» في الخارج. فقد غرسوا بذور ثورة مخملية تنشأ في الداخل.

* مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز «وودرو ويلسون الدولي للأكاديميين» ومؤلفة كتاب «سجني ووطني: قصة أسر امرأة في إيران»

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»