الشعب يريدني

TT

أحد أصدقائي زار الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف في لندن، من قبيل المجاملة والتقدير أيضا. عندما جلس، فحصه وتعمد أن يقول له «يا فخامة الرئيس تبدو بصحة أفضل بعيدا عن الرئاسة ومشاكلها، ويبدو أنك تستمتع بوقت أفضل مع عائلتك من السابق». هز الرئيس المبعد عن الحكم رأسه: «صحيح، صحيح الحياة أفضل.. لكن الشعب يحتاجني»!.

الرئيس لم يشف من شغفه بالحكم رغم السنين التي حكم فيها قادما من ثكنات العسكر. ومر مشرف بفترات عصيبة من صراع الديكة على الكرسي، وكاد يفقد روحه في تفجيرات وضعت عمدا في طريقه، وعاش سنين في القصر كل ساعة فيها كانت قاسية بسبب كثرة المظاهرات ضده، والتهديد بملاحقته قانونيا وغير قانوني. صحيح أن مشرف أقصي عن الحكم وفي حلقه غصة، إلا أنه خرج على الأقل سليما معافى، وبعيدا عن ملاحقة خصومه الذين استلموا الحكم يريدون ملاحقته واستعادته للانتقام منه. رغم هذا كله لا يزال يشعر بحرقة لأنه خرج، ويتلهف ليعود، ويعتقد أن الشعب يريده. هل الشعب يريده أم أنه يريد الشعب؟ لا شك عندي أنها الثانية. فمشرف جرب الحكم، ويريد العودة إلى كرسيه ثانية. ومع أنني أعتبره كان بالفعل الرئيس الضرورة لباكستان في أوقات عصيبة، وقد أبلى في الرئاسة بلاء حسنا وسيتذكره الشعب الباكستاني إيجابيا فيما بعد، مع هذا فإن سكرة الحكم لا تزال تدور في رأسه غير قادر على التخلص منها. للسلطة عند البعض شهوة مثل شهوة الجنس أو الأكل عند الجائع. حتى الجنرال فرانكو، ديكتاتور إسبانيا، يزعم أنه استيقظ من غيبوبته، وكان ينازع، فرأى آلاف الإسبان يمرون حول مرقده، فسأل: ما الذي يجري؟.. قيل له إنهم جاءوا يودعونه، وأجاب مندهشا: إلى أين هم ذاهبون؟

وهذا ما يؤكده صديق آخر يفسر الانقسام داخل الائتلاف العراقي والخصومة الحادة بين الفرقاء، كيف وصلت الحال بين رئيس الوزراء الذي يرى أنه ضمانة الائتلاف، ويريد الاستمرار في الحكم رئيسا كشرط للبقاء معهم وإلا فإنه سيخرج إلى تجمع آخر. يقول إن كل من في الائتلاف يعتقد أنه رئيس وزراء أيضا، فكيف يعقل أن يتنازلوا مرة ثانية للرجل نفسه؟ ومتى سيأتي الدور عليهم خاصة أن لكل منهم حزبا وجماعة تريد الحكم؟

الوضع العراقي معقد أكثر من الباكستاني، مع هذا كل سياسي حكم مثل مشرف أو المالكي يعتقد في قرارة نفسه أن بلده في حاجة إليه، وأنه الرئيس الضرورة، حتى لو كان يعيش مرتاحا وآمنا وبين أهله في لندن. ما الذي يجعل ابن حسين عيديد يعود من الولايات المتحدة حيث كان يعيش هناك مرفها من أجل أن يخلف والده كزعيم ميليشيا ليحكم بلدا منهكا وفقيرا ومليئا بالقتلى الذين لا جنازات لهم؟ ما الجائزة؟ لا يعقل أن كل ذلك حب للوطن لأنه لو كان بالفعل لما أوغل ومنافسوه في قتل المدنيين تنازعا على الحكم.

[email protected]