مصر.. ملتقى الأنبياء والرسل

TT

رغم أنني كتبت كثيرا عن القصص الديني وما ورد في التوراة والقرآن الكريم ما يتعلق بالتاريخ والآثار الفرعونية، خاصة أنبياء الله الذين زاروا أو عاشوا في مصر.

نقول على الرغم من كثرة ما كتبته وما كتبه آخرون في هذا الموضوع.. إلا أن الحديث فيه جد شيق ومثير ويدعو دائما إلى مزيد من البحث والتفكر. فما زلنا حيارى حتى الآن في معرفة من هو «فرعون الخروج» الذي ناصب موسى وقومه العداء وحاربهم إلى أن هجروا البلد، على الرغم من أن اسم «موسى» نفسه اسم مصري أصيل يعني (الوليد) ومن المحتمل أن زوجة فرعون نفسها هي من أطلقت عليه هذا الاسم بعدما جيء به إليها ورأته وليدا تحمله صفحة النهر الخالد.

وقبل «موسى» نصطدم بقصة سيدنا «يوسف» عليه السلام والعصر الذي عاش فيه ونرى الإعجاز القرآني في تسمية من يحكم مصر بلقب «الملك» عند الحديث عن قصة «يوسف»، بينما يطلق عليه لقب «فرعون» عند الحديث عن «موسى» وقومه، والإعجاز هنا في أن الآثار المصرية تعلمنا أن لقب «نيسو» بمعني (ملك) هو ما كان يلقب به ملك مصر قبل عصر الدولة الحديثة، بعدها أصبح لقب «بر عا» الذي تحور إلى «فرعون» في العربية هو لقب «ملك مصر» منذ عصر الدولة الحديثة.

إن اختيار المولى عز وجل لأرض المشرق مهبطا للديانات السماوية جاء لحكمة إلهية ترتبط بوضع هذه الأرض جغرافيا ومكانتها عند الخالق العظيم. فقد وطئت أقدام الأنبياء والرسل تراب مصر التي احتفظت دائما بمكانة خاصة في قلوبهم وهو ما يؤكده النص القرآني المعجز؛ ويأتي على رأس الأنبياء والرسل أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل الذي جاء إلى مصر وأُكرم فيها وتزوج من بناتها وصار المصريون يرتبطون بعلاقات النسب إلى نسل إبراهيم الخليل ومنهم إسماعيل وآخرهم سيد الأنبياء محمد (صلي الله عليه وسلم). ويعتقد بعض العلماء أن سيدنا إبراهيم قد جاء إلى مصر في أواخر القرن التاسع عشر قبل الميلاد.. عندما هرب من أرض الكلدانيين إلى «حاران» ـ بين النهرين في شمال العراق ـ خوفاً من الملك «زاميس بن نينوس» الذي كان يريده أن يعبد الأصنام ثم نزل منها إلى مصر.

وثمة دلائل تقول إنه كان على رأس قافلة تحمل الهدايا إلى الملك «سنوسرت الثاني» رابع ملوك الأسرة الثانية عشرة، ويعتقد البعض أنه كان يطلق عليه اسم «إبشا» وإن كنت لا أؤيد هذا الكلام، فالفرق بين الاسم «إبرام» و«إبشا» كبير ولا يمكن تقريبهما إلى بعضهما البعض.

لقد جاء يوسف الصديق ابن يعقوب (عليه السلام) إلى مصر عبداً اشتراه عزيز مصر وأكرمه في بيته، وتستمر القصة المعروفة إلى لحظة دعوة يوسف وحضور أبيه وأهله إلى مصر والاستقرار بها.

وولد موسى وتربى في مصر.. ثم فر إلى أرض مدين بعد أن قتل مصرياً ثم تاب الله عليه.. وبعد نزول الرسالة إليه جاء إلى مصر لكي يهدي قومه بعد أن مكثوا مائتين وعشر سنين ذاقوا في أواخرها ألوان العذاب على يد فرعون وحاشيته.. وأخيراً تقص علينا الكتب السماوية حضور سيدنا عيسي طفلاً مع أمه مريم ويوسف النجار إلى مصر ومرورهم على أماكن عديدة بأرض مصر فراراً من الرومان في رحلة نعرفها جميعاً بـ«رحلة العائلة المقدسة» وهو موضوع لا يزال موضع بحث العلماء، ويشغل بال الباحثين والعامة في كل مكان.. ولذلك سوف نعرض كل الآراء ونوضح بالأدلة الأثرية ما هو واقع حقيقي، وما هو مجرد خيال عار من الصحة.. وللحديث بقية إن شاء الله ورمضان كريم..