ثمن العقيدة

TT

كنت قد تحدثت عن الشيخ أمجد الزهاوي وتقواه وكان الشيخ قد التحق بمدرسة دار الفتوى التي كان يدرس فيها الشيخ عباس القصاب. وفي أحد الأيام التي انغمرت فها بغداد بالمطر والطين والأوحال، سمع الشيخ عباس طرقا على الباب في ساعة متأخرة من الليل. تعوذ من الشيطان ونزل ليفتحها وإذا به يواجه تلميذه أمجد. قال له: ما جاء بك في هذا الليل المدلهم والمطر الغزير؟ قال: لقد شغلتني مسألة فقهية لم أجد جوابا لها فلم أستطع أن أنام. أجابه عباس القصاب: يا ولدي، أنت حضرت دروسي طوال الصباح. ثم جئت إلى المدرسة بعد الظهر وسمعت دروسي. والآن تأتيني في منتصف الليل وتطلب درسا آخر؟

هكذا بلغ حرص أمجد الزهاوي على تلقي العلم. ومع العلم حرص على التقوى ومخافة الله. جاء بأحد بنائي بغداد ليبني له حائطا في بيته ليكون ستارا بينه وبين جيرانه الذي انتقلت إليه بعض النسوة. باشر البنا بالعمل حتى كاد ينتهي منه. بيد أن الشيخ أمجد سمعه ذات يوم وهو يزبد ويعربد ويسب عماله ويكفر بالله على عادة الكثيرين من البنائين في العراق وهم يقومون بعملهم تحت شمس بغداد المحرقة وحرارة صيفها الرهيبة.

سمعه الشيخ أمجد يكفر بالله فاستشاط غضبا. ناداه وعنفه على كفره بالواحد الأحد. اعتذر البنا عما نطق به واستغفر ربه وطلب العفو من الشيخ. ولكن الشيخ لم يغفر له. يظهر أنه نسي كل آيات العفو والمغفرة الواردة في القرآن الكريم. إذا كان الله سيغفر لذلك البنا ويتقبل توبته فالشيخ أمجد لا يغفر له أو يقبل توبته. قال له: اذهب واغسل يدك من الجص وتعال وخذ حسابك ولا ترجع لهذا العمل بعد اليوم. أنا ما أسمح لواحد كافر يشتغل عندي.

ذهب الرجل آسفا، متعجبا. غسل يده وعاد وتسلم حسابه من الشيخ عن الأيام التي اشتغل فيها ببناء ذلك الجدار. ثم فتش أمجد الزهاوي عن بناء آخر ورع ومتدين ليكمل له البناء. ولكنه لم يكمله قط. قال له الشيخ: اهدم كل ما بناه ذلك البنا الكافر وأعِدْ بناء الحائط من الأول. فأنا لا أحب أن أسكن بيتا فيه حائط، أو جزء من حائط، بناه رجل كافر يكفر بالله. هذا عمل من أعمال الشيطان. اهدمه يا ولد، يا ابني، وأزِل كل آثاره من قدامي، ثم ابتدئ ببناء الحائط من الأول. هز الرجل، البنا، رأسه متعجبا ولكنه عمل ما طُلب منه.

وهكذا دفع الشيخ أمجد الزهاوي أجرات ثلاثا عن بناء هذا الحائط الصغير، أجرة البناء الأول، ثم أجرة هد ما بناه وإزالته، ثم أجرة البناء الثاني في إعادة البناء. ولكن كل ذلك شيء يسير عند هذا الشيخ الورع في طلب مرضاة الله في تلك الأيام الطيبة من أيام الإيمان الطاهر.