تبت يد (الخوارج الجدد).. وتبوا

TT

تبت أيدي الذين دبروا المحاولة الفاشلة على حياة الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز في السعودية.. تبت أيديهم وتبوا.

تبت أيديهم لأنها اقترفت هذه الجريمة.

وتبت أيديهم لأنها أيدٍ خائبة أخزاها الله وجعل عملها تبا، أي خسرانا وفشلا.

وتبت أيديهم لأنهم اقترفوا جرمهم هذا في شهر رمضان: شهر القرآن الذي يتلو فيه المسلمون آيات عديدة مضيئة تحرم القتل وتعصم الدم الإنساني من الاستباحة.

أ- «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا».

ب- «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا أليما».

ج- «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق».

وتبت أيديهم لأنهم ارتكبوا جريمتهم في شهر التوبة وطلب المغفرة من الله الغفور الرحيم سبحانه.

فالمسلم الصادق له مطالب كثيرة في رمضان: أولها وأعظمها ـ بلا ريب ـ: أن يتوب الله عليه من ذنوبه وخطاياه وآثامه، ولذلك وجه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أم المؤمنين عائشة إلى أن تكثر في رمضان من دعاء: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».

أما هؤلاء الخوارج الجدد فقد اتخذوا من رمضان فرصة لاقتراف الخطايا والآثام والكبائر، وأعظمها جريمة الشروع في قتل مسلم وهي جريمة قرينة «الشرك الأكبر»: «والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق».

ولهؤلاء الخوارج الجدد «أسلاف» لم يتورعوا عن سفك الدم المسلم الطاهر: كدم الإمام علي كرم الله وجهه.

بل أضافوا إلى مباشرة سفك الدم المسلم «فلسفة فكرية» مريضة تؤصل استباحة الدم المعصوم. قال قائلهم:

يا ضربةً مِن تقيٍّ ما أراد بها/ إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره حينا فأحسبه/ أوفَى البرية عند الله ميزانا

هذا شعر للشقي الخارجي عمران بن حطان، يمتدح به شقيا آخر من نوعه هو عبد الرحمن بن ملجم: قاتل رابع الخلفاء الراشدين، الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

انظروا «!!!!».. يصف الشاعر الشقي، القاتل الشقي بهذه الأوصاف:

أ- أنه تقي!!

ب- أنه قتل الخليفة الراشد الرابع (وهذه مفخرة في نظر الخوارج)!

ج- أن القاتل أرجح الناس كفة في ميزان الله!! وصدق الله: «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتقِ الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد».

أي تعاسة؟!.. أي شقوة؟!.. أي نكد؟!.. أي موت ضمير؟!.. أي فجور مركب هذا الذي يؤز أصحابه على سفك الدماء المسلمة سفكا مقترنا بتأصيل فكري بائس مريض؟!

أيكون التقرب إلى الله بذبح المسلمين الموحدين الركع السجود؟

ثم أيكون التقرب إلى الله بامتداح القتلة الفجرة؟!

لا.. لا.. لا.. لا. مليون، مليار، ترليون، ألف ترليون لا.

ولكن كيف حدث هذا؟

ما مصدر المشكلة والمحنة والبلاء والفتنة؟

مصدرها «الفكر المفخخ»، أي الفكر الذي ضل ضلالا بعيدا فأردى أصحابه في حفر البؤس والشقوة والغلو والعنف والقتل والاغتيال.

فقاتل الإمام علي، والشاعر الذي مجّده هما من «الخوارج»، وأزمة الخوارج إنما هي «أزمة فكرية» في المقام الأول: أزمة فكرية تتمثل في الفهم الجاهل المنحرف للدين، وتتمثل ـ بالتالي ـ في الفعل والسلوك الصادرين عن ذلك الفكر التعيس، والفهم الجاهل.

مثلا: ردوا على كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ردا يقيم الدليل الحاسم على أنهم موغلون في الجهالة والضلالة والكبر والعزة بالإثم.. قالوا ـ في ردهم ـ: «أما بعد. فإنك لم تغضب لربك!! ولكن غضبت لنفسك!! فإن شهدت على نفسك أنك كفرت (!!!) في ما كان من تحكيمك الحكمين، واستأنفت التوبة والإيمان، نظرنا في ما سألتنا الرجوع إليك، وإن تكن الأخرى، فإنا ننابذك على سواء. إن الله لا يهدي كيد الخائنين».

هذا نموذج من أقوالهم التي تترجم فكرهم المنحرف عن دين الإسلام:

1ـ فهم يزعمون أن الحق المطلق معهم وحدهم: الحق كما يتوهمونه ويحتكرونه.. وهذا ضلال فكري وعقدي.

2ـ وهم يكفرون الإمام عليا ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهذا ضلال فكري وعقدي.

3 ـ وهم ـ بناء على الضلالين السابقين ـ قد خرجوا على المجتمع المسلم، والدولة المسلمة بالسلاح، واستباحوا الدماء المعصومة.. وهذا ضلال فكري وعقدي وعملي.

فليقارن كل مسلم عاقل بين خوارج الأمس، وخوارج اليوم، فالفكر واحد، وإن اختلفت العبارة، وتباينت وسائل القتل والإفساد في الأرض.

نحن مقتنعون ـ لدرجة اليقين ـ بأن الإجرام الإرهابي أصله وغذاؤه فكر منحرف، ومفاهيم منحرفة.. ومن هنا نقول ـ للمرة المليون!! ـ إنّ ردع هذا الفكر منوط بأولي العلم، وأصحاب الفكر السديد والرأي الرشيد.. فلئن نهض رجال الأمن بمسؤوليتهم ـ بجدارة وصدق ومثابرة ـ فإنه ينبغي أن ينهض أولو العلم والفكر بمسؤوليتهم الناجزة في المجال العلمي والفكري والثقافي والتعليمي: أن يفعلوا ذلك بيقظة ودأب وسهر وطول نفَس كما يفعل رجال الأمن في الميدان. فالبيانات أو الفتاوى المتقطعة أو الموسمية لا تجدي أو هي ضعيفة الأثر بالنظر إلى ضخامة المشكل.. وعلى أولي العلم الاقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نقض الفكر الخارج، أي الاقتداء به في «الوضوح» وفي «تكثيف القول» وفي «البسط والتفصيل»: «فليؤدِّ الذي ائتُمن أمانته وليتقِ الله ربه».

ونختم المقال بـ«تيئيس» هؤلاء الغلاة من بلوغ أهدافهم الشريرة.. فهم واهمون ـ جد واهمين ـ إذا ظنوا أن الدولة السعودية ستتزعزع أو تضعف بمثل محاولاتهم التعيسة هذه.. فالنظام السعودي ـ الاجتماعي والسياسي ـ أقوى وأرسخ وأبقى مما يتصورون.

لقد مات مؤسسه الكبير ـ رحمه الله ـ فبقي هذا النظام مستقرا شامخا.

وبعد وفاة المؤسس المصلح تعرض النظام لعواصف عاتية ظن الشانئون أنها ستقتلعه، بيد أن سفينة النظام واجهت تلك العواصف بثبات ومهارة أعان الله عليهما جل ثناؤه.

واغتيل الملك فيصل، وبقي النظام واستمر واستقر.

وفجر الإرهابيون هنا وهناك، فهلكوا وبقي النظام: صحيحا سليما معافى مستقرا شامخا. وهذه الظاهرة منضبطة بقانونين اثنين: قانون: «إنا لا نضيع أجر المصلحين».. وقانون: «إن الله لا يصلح عمل المفسدين».