معه حق.. اعتذِروا من «الجنرال»!

TT

ولو أرسلت رمحي مع جبان

لصار بهيبتي يلقى السباعا

«عنترة بن شداد»

النائب ميشال عون، في سياق تصعيده لأزمة الحكم في لبنان، طالَب خصومه خلال الأسبوع الماضي بالاعتذار منه.

خصومه، وفق نتيجة الانتخابات العامة الرسمية يمثلون الأغلبية في البرلمان (مجلس النواب) اللبناني. وهذا البرلمان يعترف الجنرال بشرعيته بدليل تكراره القول أنه صاحب «ثاني أكبر كتلة» فيه. وبالتالي، بالإذن من أصحاب الاجتهادات التي تميّز بين الأغلبية الشعبية والأغلبية البرلمانية، فإن أولئك المطلوب منهم الاعتذار وتلاوة «فعل الندامة».. يعبّرون عن وجهات نظر نسبة لا بأس بها من الشعب اللبناني لم يفلح الجنرال بتهجيرها.. على الأقل لتاريخه.

بالمناسبة، الغاية المعلنة من طلب الاعتذار هو «حملات الافتراء والتطاول غير اللائق التي يشنها هؤلاء على الجنرال» (!!). وعلى ما يبدو، فإن طالب الاعتذار، العف اللسان، لا يتذكّر أبدا أنه سبق له الانحدار إلى استخدام كلام غير لائق بحق أحد (!). فلعل كلامه عن «الواوية» (بنات آوى) و«السقايات» (الحراذين) و.. و.. يندرج في خانة البلاغة، وآيات البيان والبديع، وربما.. دروس الزوولوجيا.

في رأيي المتواضع للجنرال كل الحق. نعم، على الجميع الاعتذار..

فالجنرال تنبّه لحقيقة غابت عن غيره من منتحلي صفة «سياسي» في لبنان، هي أنه لا يوجد في البلد شعب يسأل ويحاسب، ويناقش ويعترض، ويُسقط في الانتخابات مَن يخدعه ويتاجر بغرائزه .. فيحيله إلى التقاعد المستحق.

للجنرال كل الحق في الاستخفاف بعقول اللبنانيين وكراماتهم، لأنه اكتشف بعد تجربتي انتخابات خاضهما على رأس جيشه «البرتقالي» بموقفين يتناقضان 180 درجة، عامي 2005 و2009، أن نحو نصف الشارع المسيحي باق معه مهما تبنّى من سياسات وروّج من شعارات من نوعية «الشيء ونقيضه»، وقرابة نصف الشارع المسلم يدعمه نكاية بالنصف الآخر.

وللجنرال الحق، كل الحق، بالتباهي بحجم كتلته النيابية التي أسهم بـ«تورّمها» (بأكثر من نصف عدد نوابها) ناخبو القوى التي بنى الجنرال كل «صدقيته» على محاربتها ومحاربة سلاحها «غير الشرعي»، من جبيل إلى بعبدا، ومن بعلبك ـ الهرمل إلى جزّين مرورا بالمتن الشمالي. فمناصر الجنرال لا يخجل من التباهي بـ«نضال مناضليه» ـ حسب مفرداته ـ ضد مَن يستقوي بهم اليوم على شرعية الحكم والسلم الأهلي.

وللجنرال، حتما، كل الحق في العمل لإسقاط الطبقة السياسية من حساباته، وهو الذي لمَس لمْس اليد كيف اعتبره بعض تلك الطبقة «قديسا مقاتلا» إبّان حروبه العبثية الفاشلة، وظل يراهن عليه «مخلّصا» في فترة نفيه في فرنسا بالرغم من فراره من حصيلة «نضاله» العنيد، وعاد جزء آخر من هذه الطبقة ليستغلّه كـ«حصان طروادة» في معاركه الاستراتيجية الداخلية والإقليمية.. مع أنه أدرى الناس بتاريخه وشخصيته.

وللجنرال، مع الأسف، بعض الحق حتى في محاولته التطاول على المؤسسة الدينية المسيحية والمزايدة عليها مسيحيا لانتزاع صفتها التمثيلية، وذلك لأن كثيرين ممن ظلوا في معسكره من الساسة والعامة ـ بل وحتى بعض رجال الدين ـ المسيحيين أيّدوه بالسر والعلن في حربه المفتوحة على البطريركية المارونية خلال السنوات القليلة الماضية، بعد انقلابه على شعاراته «السيادية».

الجنرال، الذي يطالب أغلبية اللبنانيين بالاعتذار منه، على حق، لأن اللبنانيين لم يسبقوه إلى مطالبته هو بالاعتذار منهم ومن عائلاتهم التي أسهمت مواقفه الارتجالية وتحالفاته الكيدية، بعد حروبه العبثية، في قطع أرزاقها. ولأنهم لم يحاسبوه على ما اقترفه بحقهم على امتداد عشرين سنة من المغامرات المتمحورة حول شخصه، والمختومة بختم عصمته.

الإنسان الحر وحده يدافع عن حقه، فإن فرّط بحرية قراره لا يبقى له أي حق. أما الناس الذي يشاهدهم الجنرال من حوله، صاغرين أو مصفّقين، منافقين ومتزلفين، فطارئون على الحرية.

وعلى هذا الأساس لا يعود بالإمكان لومه على مسلسل «المثاليات» شبه الإلهية التي يحتكرها، ويحاضر بها أسبوعيا.. وحيث تقضي الحاجة..

فلا وطنية إلا ما ينطق به، بينما الآخرون إما مأجورون أو متآمرون أو «سماسرة توطين» أو «سارقو أجراس كنائس».

ولا «إصلاح» ولا «تغيير» إلا إذا أمسك هو و«تيّاره» بزمام السلطة. وعندها ستقطع أيدي اللصوص، و«يتربّى» مستغلّو «المال السياسي»، وينتهي الإقطاع الوراثي.. إلا في ما يتعلق بالأصهار وأبناء الأخوات.. طبعا.

ودون أدنى شك، لا كفاح ضد إسرائيل إلا بـ«الممانعة» و«المقاومة»، وهذا مع أن الجنرال لم يحاول في زياراته «الاكتشافية» الأخيرة خارج لبنان إقناع «الممانعين» الممتنعين عن فتح جبهاتهم ضد العدو الإسرائيلي بفتح تلك الجبهات الصامتة.. إلا فوق منابر المزايدة والمسلسلات التلفزيونية.

كذلك، غابت مسألة «المقاومة» عن باله عام 2003، خلال محاضراته في واشنطن عندما كانت في قاموسه «إرهابا»، ثم عام 2004 عندما أعلن نفسه «أبو القرار 1559» الذي اعتبر فعليا «حزب الله» من الميليشيات غير الشرعية.

للجنرال الحق كل الحق في ما يقوله ويفعله، بغض النظر عما إذا كان يدرك حقيقة ما يفعله أم لا.

وما لا يقلّ أهمية عن حقه المطلق بما يقول ويفعل، كونه يستند إلى القوة التي «فبركت» له حجمه البرلماني الذي يبتزّ اللبنانيين به اليوم. وهي مثلما أمّنت له الأصوات التي أكسبته المعارك الانتخابية التي كسب، تؤمن له بذراعها العسكري حرية تعطيل الحياة السياسية لكي يؤدي المهمة نيابة عنها.

فلتجنّب تحمل تبعات انزلاق لبنان إلى حالة «عرقنة» مذهبية مدمّرة، اختار «حزب الله» بناء كتلة برلمانية كبيرة غير شيعية تتولى مهمة حماية «الأمر الواقع» القائم على تأجيل قيام الدولة، أملا بإلغائها في يوم غير بعيد.

واليوم، عندما يرفض قادة «الحزب» التدخل لوقف تهجّم الجنرال على خصومه السياسيين فإنهم يتصرفون في إطار التفاهم الفعلي معه من واقع أن أولئك خصوم مشترَكون لهم وله.

وبالتالي، ما لم يَنهَ «الحزب» الجنرال.. يكون الأخير «مأمورا» لا آمرا. وطالما، ظل الكلام الفصل في لبنان لقوة السلاح لا لقوة الشرعية والعيش المشترك، سيظل الجنرال على حق.. والشعب اللبناني على خطأ.. والوطن في خبر كان!