إذاعة الرجل الواحد.. وكالة أنباء الرجل الواحد!

TT

نشرت «الشرق الأوسط» أمس تقريرا عن «إذاعة طامي»، روت فيه قصة أول وأطرف إذاعة خاصة انطلقت في العاصمة الرياض قبل 50 سنة، لصاحبها عبد الله بن سليمان العويد، المعروف بـ«طامي»، التي انطلق عبرها ـ كما يقول التقرير ـ فنانون وممثلون، وكانت تنقل صوتياً أحداث مباريات كرة القدم التي تجرى في العاصمة، وتبث إعلانات مفقودات الصكوك، والأبقار، والأغنام، وصاحب هذه الإذاعة رجل موهوب استطاع أن يصنع من الإمكانات المتاحة المحدودة بين يديه إذاعة يغطي إرسالها مساحة جغرافية واسعة، مستعينا بأجهزة من «الراديوهات» القديمة، ومرسلة لاسلكية عتيقة حولها إلى مرسلة إذاعية، ومن غرفة صغيرة في أحد البيوت بدأ بث إرساله في عام 1961، وكان هو المخترع والمذيع والمخرج ومهندس الصوت وكل فريق العمل، واستطاع أن يوجد لإذاعته جمهوراً يقضي ساعات ما بعد صلاة العشاء مع ما تبثه إذاعة طامي.

هذا الرجل العبقري الذي توفي قبل عدة سنوات يحتاج اليوم من وزارة الثقافة والإعلام أن تكرم ذكراه بما يليق بدوره، ودور إذاعته في الذود عن البلاد، والوقوف في وجه الإذاعات التي كانت تختلق الأكاذيب، وتنشر الشائعات، فالرجل بمبادرته الإعلامية تلك آثر أن يضيء شمعة بدلا من أن يمقت الظلام.

والمبادرات الإعلامية الأولى في بلادنا تحتاج إلى رصد، وتوثيق، وإبراز، فثمة جهود بذلت لم يعرف عنها الكثيرون من أبناء هذا الجيل إلا القليل، وروى لي الشاعر الكبير الراحل محمد حسن فقي ـ رحمه الله ـ أنهم خلال الحرب العالمية الثانية كان ثمة رجل في مكة يجيد أكثر من لغة، ولديه مذياع يلتقط عبره الإذاعات العالمية، يلجأون إليه لنشر أخبار الحرب، وأبرز الأحداث، فكان الرجل بمثابة أول وكالة أنباء في مكة المكرمة، واستفادت منه الصحافة كثيراً، وتسابق الصحافيون لكسب وده ورضاه، ولعل بعض رواد الصحافة يعرفون اسمه، فيوثقون له.

وقد وجدت الصحافة في السعودية من يؤرخ ويوثق لها، وإن ظلت مساحات من الإضافة واردة في كل الأحوال، لكن الكثير من البدايات الإعلامية الأخرى لم تحظ بنفس القدر الذي حظيت به الصحافة، مع التقدير لعدد من المحاولات الجادة التي بذلت في هذا المجال، وأشعر اليوم أنه قد آن الأوان للمزيد من الرصد لبداياتنا الأولى في مجالات كثيرة، ومنها مجالات الإعلام، والاحتفاء بأصحابها أحياء وأمواتاً، فما نحن فيه اليوم من المؤكد أنه ثمار غرس أولئك الرجال.

[email protected]