السيف والسوط والقوس والسياسة

TT

زار وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكي، دمشق الأسبوع الماضي في زيارة تزامنت مع زيارة نظيره التركي أحمد أوغلو لبغداد. الهدف من زيارة الوزيرين للعاصمتين العربيتين العريقتين هو تحسين العلاقة بينهما بعدما تدهورت على إثر اتهام بغداد لدمشق بمسئوليتها عن تفجيرات الأربعاء الدامي التي قتلت وجرحت المئات من العراقيين. الزيارتان عكستا ما وصلت إليه العلاقات العربية ـ العربية من تردٍّ، وما وصل إليه غياب الدور العربي عن حل القضايا العربية. لكن الزيارتين تزامنتا مع جهد من نوع آخر في الكويت، فقد أنشئ مجلس للعلاقات العربية ـ هكذا التسمية ـ يبحث في العلاقات العربية خارج الأطر الرسمية.

رحت أستعرض المشهد العربي، فشعرت بالعطف على أصحاب النوايا المخلصة الذين حضروا اجتماع الكويت. فمن المغرب غربا حتى العراق شرقا، ومن سوريا شمالا حتى اليمن جنوبا، صراعات وحروب وخلافات واختلافات في العلاقات العربية ـ العربية.

فالعَلاقة العربية – وجمعها علائق ـ معناها الخصومة وما أكثر العلائق بين دولنا، وهناك أكثر من دولة تعتبر «معلاقا» أي كثيرة الخصومة مع الآخرين مثل العراق في تاريخها الحديث وبالأخص في مرحلتها الصدّامية.

ما زالت تستعمل العلاقة – بمعنى المشكلة ـ في لهجة أهل الشام فيقال: عِلْقت (بقلب القاف همزة)، وقد غنت فيروز في أغنية «شادي»: عِلئِت عاطراف الوادي، طلع شادي يتفرج، وينك رايح يا شادي.. إلخ.

كما وردت حديثا من ثقافة المعتقلات والاستخبارات والنظارات في المخافر. يقول الضابط للشرطي: أعطه علقة بالفلقة! حيث تعلّق أرجل المتهم إلى الأعلى ويضرب على قدميه ضربا مبرحا.

تمر العلاقات العربية بعَلْقٍ دبلوماسي، أي شتيمة سياسية بين أطراف نزاعاتها، لا يتوقف عبر إذاعاتها وصحفها والمستأجرين من كتابها. ويقال إن فلانا عَلَقه بلسانه، أي شتمه، وقد نقول إن الكاتب علق الدولة الخصم لدولة ما بقلمه.

وبقيت الصحراء الغربية كالمرأة المعلّقة ـ لا هي بمتزوجة ولا هي بمطلقة ـ طيلة ثلاثة عقود ونصف، والسبب هو التدخل الجزائري المستمر والرفض من قبل الجزائر لأي حل يمكن أن ينهي العلاقة ـ أي النزاع على الصحراء ـ رغم المبادرات المغربية المتتالية لإنهاء النزاع بالطرق السلمية.

علاقة إيران بالعراق يشوبها سياسة العَلَقة التي تلتصق بالجسد وتمتص الدم رويدا رويدا دون إشارة من قريب أو بعيد من الحكومة العراقية لتلك العلقة ـ الدويبة. ويشتم المصريون شعبيا بتلك الدويبة بتشبيه شخص ما بها، فيقولون: يا عِلْق (أيضا بقلب القاف همزة) وهم يقصدون «يا طفيليا تعيش على الآخرين».

لا تنتهي علائق ـ أي مشكلات ـ اليمن، فقد استعر القتال بين الحوثيين والجيش النظامي منذ سنين، وعلُق المدنيون بمئات الآلاف دون ذنب اقترفوه، وتشردت آلاف الأسر لتصبح الأسرة بلا عُلْقة ـ أي خسرت كل شيء ولم تعد تملك شيئا.

نمتدح بالكلام المنمق الجميل قرب العلاقة بين الدول العربية وما يجمعها، ووشائج القربى والتاريخ واللغة والمصير المشترك، ومن هذا القرب في العلاقة استمد العرب كلمة «معلاق» ـ وهي تعني في لهجة أهل العراق السحارة ـ أي الرئة والقلب والكبد من الذبيحة. للتذكير فإن «المصير» يقع في البطن أيضا ويعد من المعلاق كذلك ومن هنا جاءت عبارة «المصير المشترك» التي تربط «أمصار» ـ أقطار ـ العالم العربي الواحد.

المشهد العربي مليء بالعلائق التي علقت به، لكننا نعلّق مشكلاتنا على علائق خارج بيوتنا، كما يعلّق القدر على عِلاقة بجدار ليس من جدران الدار.

في القواميس العربية ترد كلمة علاقة لتصف الرابط بين السيف والسوط والقوس، ولم يرد في أي منها ما يربط العلاقة بالسياسة.. تُرى! هل طوّر العرب المعنى ترجمة للعلاقات العربية ـ العربية؟