قليل من الإنصاف

TT

ينشغل العالم بصحافته وإعلامه ونخبه السياسية بالتطورات في إيران.

إنه انشغال مبرر بلا شك، فما ستؤول إليه الأمور في إيران قد يغير في خريطة المنطقة والعالم، لكن هناك ما يستحق التوقف عنده عندما تستحضر المقارنة بين إيران وقضايا أخرى حساسة.

إذ غالباً ما يطغى على النظرة نحو المتغيرات الإيرانية الخوف من مزيد من التدهور والتهديد الأمني على نحو يطال محيط إيران وما هو أبعد منه. ما يضاعف هذا القلق هو التصريحات اليومية للرئيس أحمدي نجاد، خصوصاً تلك المتعلقة بالقدرات النووية لبلاده ودعم نظامه لحركات المقاومة، وصولا إلى نفيه المتكرر لمحارق النازية وتهديداته بمحو إسرائيل، مواقف تؤدي جميعها إلى مضاعفة المخاوف من طموحات النظام الإيراني وتهديداته.

لكن هذا الواقع لا يلغي ازدواجية مزمنة حين يتعلق الأمر بانتهاكات تقوم بها إسرائيل.

ففيما تواصل كبريات وسائل الإعلام الغربي في أميركا وأوروبا التركيز على الحراك الداخلي في إيران وإبراز اضطهاد النظام للمعارضة ومتابعة ما أثير من قضايا تعذيب واغتصاب معتقلين معارضين في السجون الإيرانية، يظهر تعامل نقيض في قضية الصحافي السويدي دونالد بوستروم الذي كشف في تحقيق استقصائي عن قيام جنود إسرائيليين بقتل فلسطينيين والمتاجرة بأعضائهم الداخلية.

فالصحافة نفسها التي تلاحق وتتابع انتهاكات وارتكابات النظام الإيراني (وهو أمر ضروري) سارعت إلى اتهام الصحافي السويدي ومن ورائه صحيفته بمعاداة السامية والتحريض ضد اليهود في العالم وبالمطالبة بالاعتذار.

بوستروم أجرى تحقيقاً استغرق منه ما يزيد على ثلاثين زيارة إلى فلسطين معتمداً منهج التوثيق بالصور والمعلومات، ليعلن في تحقيقه أن هناك جريمة منظمة يقوم بها جنود إسرائيليون ضد الفلسطينيين. بل إن المدعي العام السويدي رفض ملاحقة الصحافي بوستروم بتهمة العنصرية، معتبراً أن ما قام به الصحافي «قانوني». وهنا لا ننسى فضيحة بروكلين التي كشفت قبل أسابيع وأظهرت شبكة من المتاجرين بالأعضاء البشرية والتي كان يديرها بعض الحاخامات الإسرائيليين، وهو أمر لم تتم تسليط الضوء عليه في الإعلام الأميركي على نحو وافر.

الكيل هنا ليس بمكيالين على ما جرى وشاع في الوعي العربي، إنما الخلل يكمن في المكيال الواحد، فسعينا لمراقبة النظام في إيران وكشف انتهاكاته يملي علينا صدقية في سعينا لمراقبة إسرائيل. الغرب هنا تصحّ عليه نون الجماعة هذه، إذ إن إسرائيل جزء من المجتمع الغربي، وهذه حقيقة راسخة في الوعي الإسرائيلي والغربي معاً، ولكي تعطي مصداقية الإعلام الغربي مفعولها عندنا علينا أن نستشعر مقدار مصداقية هذا الإعلام حيال نفسه، وهنا المقصود حيال إسرائيل.

ثم إننا في الحالة الإسرائيلية أمام إمكانية أكبر لتوثيق الانتهاكات ولتحديدها، أما في الحالة الإيرانية فتبقى الانتهاكات، على رغم أرجحية حصولها، في مجال التوقع والترجيح. فإذا كنا وثقنا انتهاكاً في إسرائيل فالأولى أن نعلنه وأن نواصل سعينا للتمكن من توثيق انتهاكات النظام في إيران.

diana@ asharqalawsat.com