مسرح نيويورك السياسي

TT

حظي العاثر؛ جئت نيويورك هذه الأيام التي يصبح فيها حتى السير على الأقدام في عاصمة العالم مهمة صعبة، بسبب إصرار أجهزة الأمن والحماية وشرطة المدينة والوفود، على إغلاق الممرات في كل مرة يعبر وفد رسمي، والمدينة مكتظة بأكثر من مائة وفد رئاسي.

العادة في كل عام أن تتحول الأمم المتحدة إلى مسرح سياسي كبير يلتقي فيه السياسيون من كل أنحاء المعمورة، ومع أن التركيز دائما على منصة الأمم المتحدة فإن الأهم يدور في الفنادق بعيدا عن الأعين. هذه المرة، عدا عن الخطب الاستعراضية والبحث عن كل ما يلفت كاميرات التلفزيون، فإن الأمم المتحدة كانت مسرحا استخدمه عدد من الزعماء أبرزهم الرئيس الأميركي باراك أوباما. فقد أدار جلسة مجلس الأمن كأستاذ يدير فصلا دراسيا، حدد النقاش حول قضية التسلح النووي، معلنا عن مبادرته التخلص من السلاح النووي، وعد طبعا يستحيل تصديقه. أوباما قدم نفسه في نيويورك أيضا كصاحب مشروع السلام المقبل في الشرق الأوسط، الذي يستحق منه بالفعل أن يبدي نحوه جدية أكثر. ونيويورك محطة مهمة، حيث يستطيع الاستعانة بالأوروبيين للضغط على الجانب الإسرائيلي الذي يريد تبديد الوقت، وبعثرة الجهود بأفكار لا علاقة لها بالمفاوضات مثل الحديث عن يهودية إسرائيل والتطبيع المبكر.

أما النجم الآخر في مباريات الأمم المتحدة هذا الموسم فقد كان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد. فالزعيم الإيراني لم يترك محطة تلفزيون أميركية إلا ومنحها مقابلة، وبعضها ظهر عليها مرتين، كما فتح باب جناحه في فندق الإنتركونتننتال للإعلاميين أكثر من السياسيين. وهذا يعزز الظنون بأن الرئيس الإيراني يشعر أن صورته أمام العالم قد شوهتها الأحداث الأخيرة في بلاده. نجاد نجح عمليا في تمضية أيامه في نيويورك دون أن يضطر كثيرا للحديث عن الشقاق الخطير في بلاده. استطاع حرف الحوارات والندوات والخطب إلى موضوعات مريحة مثل الحق الفلسطيني ومهاجمة إسرائيل والغرب وإنكار المحرقة، حتى أنسى الجميع الموضوع الرئيسي والأهم وهو الأوضاع المتوترة في إيران في ظل بروز معارضة شرسة من داخل النظام ضده.

وهناك شخص آخر، غير نجاد، سعى هذا الأسبوع لتحسين صورته هو الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون. اجتهد مون كثيرا لإقناع الآخرين بأنه أكثر حيوية وفاعلية واستقلالية مما يقال أو يبدو عليه. الحقيقة أن مهمته أصعب من مهمة نجاد. مون كان محظوظا، حيث لم يكن أحد يتوقعه أمينا عاما للأمم المتحدة أبدا. كان شخصية مجهولة، بيروقراطية، خدم كوزير خارجية لبلاده كوريا الجنوبية عامين فقط، ولم يعرف عنه شيء يميزه خاصة في وجه أسماء منافسة مثل نائب الأمين العام للأمم المتحدة الهندي شاشي ثارور القوي الشخصية والأكثر خبرة.

أما خارج الجمعية العمومية فقد كانت هناك تطورات عديدة في مجال الإرهاب في داخل الولايات المتحدة، وعلى الرغم من كثرتها فإنها لم تلفت الأنظار بخلاف ما كانت عليه السنوات الثماني الماضية. فقد أعلن القبض على أردني اتهم بالتخطيط لتفجير ناطحة سحاب في دالاس، وأفغاني أمسك به وفي حوزته خطط يقال إنها لتنفيذ عمليات، ويعتقد أن إحداها لاغتيال الرئيس أوباما. والمفاجأة الجديدة القبض على أحد الأميركيين البيض، من المسلمين الجدد، أيضا في نفس دائرة تهمة الإرهاب، الذي يثبت المخاوف السابقة من أن «القاعدة» نجحت في اختراق المجتمع الأكثر استعصاء، البيض. فالإرهاب لم يحتل سوى سطرين في كلمة أوباما بعد أن كان فاتحة خطابات الرئيس السابق جورج بوش.

[email protected]