في المليان

TT

منذ وصلت إلى القاهرة لقضاء عطلة عيد الفطر مع الأهل والحديث لا يخرج عن موضوعين: تأجيل بداية العام الدراسي خوفا من إنفلونزا الخنازير، ومسلسلات رمضان. برامج الحوار لا تنفك تستضيف نجوم رمضان وتجري الاستفتاءات الهاتفية لانتخاب أفضل مسلسل وأفضل نجم أو نجمة. وسوف يمر هذا الموسم كما مرت مواسم أخرى من قبل. ولكن موسم رمضان الدرامي هذا العام اختلف رغم تمسك المشاهد بأهداب ثقافة أبي زيد الهلالي والأميرة ذات الهمة وصبر المصريين المعهود وقدرتهم على التفاؤل والانتظار. غير أن الانتظار هذا العام طال ولم يأت بالمأمول. ولن تغير الاستفتاءات والاستضافات حقيقة مؤلمة موجعة وهي أننا باستثناء حرب الجواسيس والرحايا لم نشاهد شيئا يستحق المشاهدة في ظل التطويل والتوفير حين يتطلب السيناريو تصوير مشاهد خارجية، وأعراض الانيميا الوبائية التي أصابت كتاب السيناريو وإهمال التفاصيل التي يعتمد عليها تصديق المشاهد لواقعية ما يشاهد.

وأنا ما زلت مؤمنة بأن صندوق الدنيا الذي يسكن غرف المعيشة في كل بيت لا يفرض عليك أن تضغط علي زر التشغيل. ولذلك فالاختيار اختيارك. شاهد أو لا تشاهد تلك هي المسألة. ولكني شاهدت مع من شاهد ما سمحت به ظروف الشهر الكريم. وهالني أن أجد نفسي في قبضة إحساس بالخطر الأخلاقي. تصورت في بداية الشهر أن الأفكار التي تطرحها المسلسلات جديدة وهامة ومنها هجرة الشباب إلى الخارج للبحث عن فرصة وما يتهددهم من أهوال. ومنها أيضا سيطرة المشعوذين على القلوب والعقول.

ثم شعرت بأن الفوضى الأخلاقية ضربت أطنابها. وكدت لا أصدق ما سمعت حين رأيت فنانا له حجم وتاريخ صلاح السعدني يلقي جانبا من حوار في مسلسل الباطنية دفاعا عن الحشيش وكأنه يروج له كنبتة طبيعية لا خوف منها. ولم اصدق أن يوافق نور الشريف على حوار يقول فيه البطل إن مهاجرا يهوديا هاجر إلى إسرائيل في عام 1931 ويتكرر الخطأ التاريخي لا مرة واحدة بل عشرات. نور الشريف المثقف العملاق نسي أن دولة إسرائيل لم تخرج إلي الوجود إلا في عام 1947 فضلا عن أن البطل يعاني الأمرين خوفا من أن تكون أصوله يهودية ولا تواتيه الشجاعة أن يجهر بذلك الاحتمال في مسلسل يدفع بنقطة جوهرية وهي أننا لسنا ضد اليهودية لأن اليهودية دين سماوي ولكن الصهيونية فكر معاد للعدالة والدين. والأدهي من ذلك هو أن المسلسل يقدم شخصيات يهودية تمسكت بأصولها اليهودية ودفعت حياتها ثمنا للتمسك بالأوطان ورفضت الهجرة إلى إسرائيل فقدمت للمشاهد نبلا استكثره كاتب السيناريو على بطله المصري.

وحين يرد ذكر عملاق الأداء يحيي الفخراني فحدث ولا حرج.

فهذا البطل في مسلسل الارندلي يرتكب كل أنواع النصب والنفاق على النساء لاستلاب ثرواتهن. يكذب ويلاوع ويستغل وينتهي المسلسل بلا أدنى محاولة لتحقيق الثواب والعقاب وكأن النصب أصبح موضة، على المشاهد أن يتقبلها وعلى أبطال المسلسل أن يكرسوا لها بمن فيهم زوجة الارندلي لابسة الحجاب التي تتحد معه في أهمية النصب على النساء للحصول على الأموال لصالح أسرتها.

فهل أصبحت هذه الفوضى الأخلاقية هي أفضل ما تجود به قريحة الفنانين والكتاب؟ مصر ولاّدة ولو لم ينهض الكبار لتطهير البيت الفكري من جراثيم الفوضى واللكلكة سوف يولد جيل جديد يتزعم حركة التطهير بأدوات لا تخطر على بال.