لماذا تحتاج الولايات المتحدة لأفريقيا؟

TT

توشك الولايات المتحدة وأفريقيا على الدخول في شراكة جديدة، لا تقوم على الاتكالية من جانب على آخر والمساعدات، بل على شراكة في الأفكار والرؤى والاستثمارات التي تزيد من الرخاء الاقتصادي لشعوب الجانبين. ولبدء هذه العلاقة المتطورة يجب على كلا الجانبين قبول تغيرات عاجلة وجوهرية في طبيعة الروابط بينهما. فأفريقيا بحاجة إلى تبني المبدأ الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه أمام البرلمان الغاني، في يوليو (تموز)، الذي أشار فيه إلى أن القطاع الخاص النشط عامل أساسي وحيوي في المجتمعات الموثوقة التي تتمتع بالشفافية والكفاءة، ودون قطاع خاص نشط لا يمكن للمجتمعات أن تزدهر. ولقد تباطأت القارة الأفريقية في توفير المناخ الذي يسمح بقيام قطاع خاص كهذا.

كما يجب على أفريقيا أن تتبنى سياسات داعمة للحكم تشجع النمو الاقتصادي لتهيئة الظروف من أجل قيام قطاع خاص قوي ومتجدد، وهو ما يعتبر أحد أهم الاستراتيجيات للتعجيل بهذا التحول الاجتماعي الاقتصادي.

ورغم أن رواندا لم تقم، مثلها في ذلك ككل دول القارة، بتأدية الدور المنوط بها على الوجه الأكمل، فإنها تواصل ترسيخ أسس قوية للاستقرار وتحسين مستوى معيشة جميع مواطنيها، وهو ما أثمر بدوره تكامل طوائف المجتمع والمساواة بين الجنسين. فقد وسعت رواندا من نطاق مشاركة المرأة في مجالات الإنتاج والرخاء الاقتصادي، فنحن الدولة الوحيدة في العالم التي تشكل فيها النساء أغلب أعضاء البرلمان.

لقد انتقلت رواندا من عصر الاضطرابات إلى عصر المصالحة والتنمية المستدامة عبر استراتيجيتها «فيشن 2020 استراتيجي» التي تضمنت الأسس الأولية لاستقرار الاقتصاد الكلي وخلق الثروة لخفض الاتكالية على الغرب والتحول من اقتصاد قائم على الزراعة إلى اقتصاد قائم على المعرفة يسانده قطاع خاص فاعل. وقد قمنا بسن قوانين تعزز من سلطة القانون لمواجهة الفساد وتدعم أجندتنا الإصلاحية الطموحة. وقد أقرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بالتقدم الذي حققناه وبأهمية «السياسات القائمة على الأدلة والنتائج القابلة للقياس» خلال كلمتها التي ألقتها في الخامس من أغسطس (آب)، حيث احتلت رواندا قمة تقرير الأعمال 2010 الذي أصدره البنك الدولي لترتيب الإصلاح العالمي الذي يوضح ما يمكن إنجازه من خلال الرؤية والتطبيق. تأتي التوصيات التي جاءت في خطاب الرئيس أوباما في الحادي عشر من يوليو (تموز) وثيقة الصلة بأفريقيا بقدر ارتباطها بالولايات المتحدة، حيث قال: «إن رخاء أفريقيا الاقتصادي يمكن أن يزيد من رخاء أميركا، وإن صحتها وأمنها يمكن أن يسهما في صحة ورخاء العالم»، فالارتباط بين الاقتصاد الأميركي والأسواق الأفريقية محوري، خاصة في ظل ظروف الاقتصاد العالمي والإمكانات الواعدة التي تمثلها أفريقيا كسوق مربحة جديدة. ولم يعد كافيا أن تساعد الولايات المتحدة أفريقيا بدافع الشفقة، بل إن عليها أن تتكاتف معها لبناء اقتصاد قوي في كل منهما وتحسين المستويات المعيشية لشعوبهما. ولقد دعمت الولايات المتحدة أفريقيا على مدى طويل من خلال المساعدات، ولذا يجب على الولايات المتحدة أن تقر بأن أفريقيا تشكل الآن عونا للولايات المتحدة، وأن الوقت قد حان لإبراز هذا الاعتماد المتبادل بخطوات واضحة. نعم إن على أفريقيا أن تطور من مؤسساتها الحاكمة وأن تعمل على تطوير القطاع الخاص. ونحن نقدر قانون فرصة التنمية الأفريقية ونعترف بأن أفريقيا لم تنجز الدور المنوط بها ومن ثم فإن على الدول الأفريقية أن تضطلع بمسؤولياتها في تحمل القصور في جهودها وأن تستفيد من الفرصة المتاحة في هذا القانون.

في غضون ذلك يجب على الولايات المتحدة أن تزيد من تمويل الشركات الأميركية الراغبة في ممارسة الأعمال في أفريقيا عبر مؤسسات التمويل الرئيسية مثل بنك الولايات المتحدة للصادرات والواردات وشركة الاستثمارات الخاصة الخارجية، ولم تبد الولايات المتحدة اهتماما كبيرا تجاه الأسواق الأفريقية كما فعلت الاقتصادات الآسيوية الناشئة، حيث قدمت الصين ضمانات قروض تفوق ما قدمته الولايات المتحدة بما يقرب من 30 ضعفا. إن متطلبات أفريقيا عظيمة إلى حد أن هناك مساحة كبيرة لكل من الاستثمارات الأميركية والصينية معا. وسوف تترجم الزيادة في الاستثمارات الأميركية في أفريقيا إلى فرص أكبر للشركات الأميركية ذات القدرات الواعدة لجني أرباح كبيرة تعود على الاقتصاد الأميركي. ويجب على الولايات المتحدة أيضا أن تدعم المبادرات الإقليمية في أفريقيا، فالتنمية الإقليمية في أفريقيا لا تتوقف عند الحدود القومية، فأسواقنا بحاجة لأن تكون متصلة عبر شبكات طرق وقنوات وموانئ وتكنولوجيا حديثة. لكن رغم ذلك تسعى بعض الشركات الأميركية للحصول على مشروعات إقليمية واسعة النطاق. إضافة إلى ذلك فإن توقيع معاهدة التجارة الإقليمية مشابهة لاتفاقية التجارة الحرة مع أميركا الشمالية تأتي على رأس أولويات أفريقيا، حيث ستسمح التنمية الإقليمية للمنتجات الإقليمية والشركات للوصول إلى الأسواق الكبرى دون عبء التعريفة والعقبات التشريعية.

وعندما يلتقي الرئيس أوباما والقادة الآخرون خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والمجلس المشترك لقمة أعمال الولايات المتحدة وأفريقيا في واشنطن سوف أذكرهم بأن مساعدة التنمية في أفريقيا مهمة، لكن الصورة الأفضل للمساعدات تقود إلى الاستثمار في البنية التحتية الوطنية وتعزيز القطاع الخاص. ومن دون قطاع خاص قوي لن تكون هناك تنمية أو نمو. وإذا ما لعب القطاع الخاص الأميركي دورا أكبر في أفريقيا فستتحقق التنمية. ولتحقيق ذلك يجب على إدارة أوباما أن تقوم بتسهيل عمليات الاستثمار في أفريقيا عبر تدعيم مؤسساتنا للحكم الجيد.

* رئيس جمهورية رواندا

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»