مأكول ومذموم

TT

هذا ما نقوله عن السمك. نحب طعمه ونذم رائحته. و لكنه مثل ينطبق أيضا في الغرب على المغترب العربي والمسلم. فهم يرحبون بمساهماته وجده في العمل وأمواله التي ينفقها ولكنهم يشكون من وجوده بينهم. مأكول ومذموم. المؤلم في هذا الحديث أننا لا نسمع، وأهم من ذلك لا يسمعون هم غير الجوانب السلبية من تصرفاتنا، وفي مقدمة ذلك تطفل بعضنا واستغلالهم لأنظمة الضمان الاجتماعي وما تمنحه من معونات وعلاوات وامتيازات. نسمع كل يوم عن المبالغ التي تنفق عليهم، وبصورة خاصة اللاجئون منهم. ولكنني لم أرَ حتى الآن أي أرقام عما يجنيه المجتمع الغربي من وجودنا بينهم. هناك في بريطانيا مثلا، ألوف الأطباء العرب والافرواسيويين الذين يسدون فراغا كبيرا في الخدمات الطبية ولم تنفق بريطانيا فلسا واحدا على تأهيلهم و تدريبهم. أقول مثل ذلك عن المهندسين والعلماء و شتى الأساتذة العاملين في الجامعات والمؤسسات العلمية. إنه من أفظع وجوه الاستغلال الغربي لثروات الشرق. نهبوا نفطنا بالأمس واليوم ينهبون مخنا.

لعب بعضهم دورا خطيرا في إغناء الاقتصاد الوطني. أقول ذلك وأنا استذكر ما كتبته «الفاينانشال تايمس» من تقرير مسهب عن المهندس العراقي فاروق القاسم الذي لعب دورا حاسما في تنمية ثروة النرويج، البلد الذي التجأ إليه. كان مختصا في جيولوجيا النفط. وصل مدينة اوسلو في الستينات حائرا في الحصول على عمل، أي عمل كان. وفيما كان ينتظر القطار، خرج ورأى وزارة النفط النرويجية. طرق بابها وتساءل من الاستقبال فيما إذا كانوا بحاجة لمهندس نفط. قالت تعال بعد الظهر لأخبرك. عاد إليها فاقتادته إلى مكتب فخم وجد فيه كبار المديرين متلهفين لمقابلته. وبعد السؤال والجواب طرحوا عليه العمل براتب يتجاوز راتب رئيس الوزراء. كانوا في محنة. كانوا يبحثون عن النفط في بحر الشمال ولم يتوفقوا إلى شيء. لعل هذا الرجل من بلاد النفط يساعدنا.

انكب على الموضوع ولم يفرغ من بحثه ودراسته حتى أعرب لهم عن وجود النفط في مياههم الإقليمية. وبدأت النرويج ترتقي في عالم الطاقة وتتراكم مداخيلها. وأصبحت تلك الزيارة لوزارة النفط أسطورة تروى من أساطير النرويج. بيد انه لم يكن جيولوجيا فقط. كان عالما اقتصاديا أيضا على ما يظهر. انزوى مع مساعد واحد في كوخ بسيط في إحدى الغابات توارى فيها لمدة أسبوع ووضع للبلاد مخطط استثمار عوائد النفط، بما أصبح مثالا يدرس عند معظم الدول النفطية.

لم ينس وطنه. فما أن سقط صدام حسين عن الحكم، حتى انكب على تصميم مخطط للاستعمال العقلاني والاقتصادي لنفط العراق. ولكن كاتب التقرير يقول، انه ما أن قدم المخطط للسلطات العراقية حتى بادر المسؤولون فيها إلى تعديله ومسخه بما يتلاءم مع العركة على الكعكة.

هذا لاجئ عربي مسلم واحد بنى اقتصاد دولة أوربية ناهضة بكامله. ولم تنفق تلك الدولة أي شيء على تعليمه وتدريبه. تلقى كل تعليمه من نفقات الخزينة العراقية. كم تنفق النرويج من أموال على سواه من اللاجئين العراقيين؟