حزبيون ضيقو الأفق وطائفيون.. متى يُساءَلون؟

TT

من يُقلّب صفحات تاريخ العراق لا يجد فيها حالات التفرقة الطائفية والعرقية القائمة حالياً، من أعلى مؤسسات هرم السلطة إلى المستويات الدنيا، مروراً بالمفاصل الحساسة. فهل أتى الأميركيون بهذا المشروع الخطير لتفتيت العراق؟ أم أن سياسيين عراقيين فاشلين وممتلئين بشحن غير مُبرر على قديم العراق وحديثه، شحنوا عقول الأميركيين بذلك، كي يضمنوا لهم هيمنة سياسية؟ وأنا من مُرجحي الشطر الأخير.

الأسبوع الفائت، جاءني اتصال من شخص لم أتحدث معه منذ كنا طلاباً في الكلية العسكرية قبل أكثر من أربعين سنة، وحاولت استرجاع الذاكرة عن أسماء طلاب الدورة التي كنت فيها (عددهم 321 طالباً)، وفشلت في معرفة الانتماء المذهبي ولو لطالب واحد من بغداد، التي لها الحصة الرئيسية (العفوية) بحكم ثقلها السكاني. بينما يصفون الحكومات السابقة بالطائفية.

أما اليوم، فمن واجب البرلمان مساءلة الحكومة وكل المؤسسات عن ممارساتها المريرة والمُمَزِقة للنسيج الوطني العراقي. وأن يتولى تشكيل هيئة تسمى (هيئة الوحدة الوطنية) بدل الحديث عن المصالحة الورقية، تبدأ مهمتها بكبار مسؤولي الدولة، وأولهم رئيس الوزراء، للبحث عن عدد وأسماء وانتماءات وشهادات وطوائف المستشارين، وإجراء جرد مفصل بطوائف أفراد الحمايات الشخصية. ونشر التفصيلات على الإنترنت ليطلع الناس عليها. وهذه هي الطريقة العملية للقرار على هوية المسؤول وتوجهاته. وإن ظهر أنه طائفي فليغادر المنصب ويذهب إلى المراكز الدينية ليمارس ما يريد من الشعائر، فلا مجال ليكون حاكماً وطائفياً أو عرقياً معاً. وهذه رسالة لمن يبحثون عن التكتلات الانتخابية خصوصا ممن تنقصهم التجربة من السياسيين.

(معظم) مسؤولي الحكم في العراق، بدءا من المالكي، لا فضل لهم على العراقيين، فيما يدّعون أو لا يدّعون، في قيادة ثورة حررتهم من ظلم، ولم يقودوا عملية خاطفة لتصحيح الوضع، وبعضهم كانوا يخافون كما يقول المثل العراقي (النظر من زرف الباب). فعن أي جهادية ونضالية يتحدثون؟ اللهم إلا من كان مسؤولا عن التفجيرات الانتحارية الإرهابية التي استهدفت مبنى وزارة التخطيط ووكالة الأنباء العراقية ومديرية الاستخبارات الجوية خلال حرب السنوات الثماني، في محاولة لضرب الجبهة الداخلية في تلك المرحلة الخطيرة. بصرف النظر عمن كان الحاكم وسلوكه.

وليكشف البرلمان بصورة أوضح وبصوت جهوري الجهات الحكومية والبرلمانية والسياسية، التي تمنع أو تعرقل استجوابات المسؤولين. وألم يحن الوقت لمراجعة حوادث السنوات الأربع الأخيرة وماذا فعلت الحكومة وماذا حققت؟ أم أن المطلوب طمس حقائق بالغة القسوة والمرارة، خصوصاً ما يتعلق بالاغتيالات المنظمة لآلاف البشر، وواحدة من أبشع وأقسى عمليات التهجير المليونية، أصبح إهمالها أمراً مدهشاً جداً. ولماذا يراد طمس حقوق الملايين وكأن شيئاً لم يحصل؟ هل بسبب احتمال وجود مسؤولين ضالعين في ما وقع؟

لماذا يسكت البرلمان عن سكوت الحكومة عن الدور التخريبي الإيراني في العراق. فالمفروض أن يستدعي البرلمان رئيس الوزراء ووزراء الخارجية والدفاع والداخلية والأمن ويسألهم عن الدور الإيراني، وماهية الأعمال التي قامت بها الحكومة حياله، وعن أسباب عدم قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران مثلا. وأن يُسأل رئيس الحكومة تحديداً عن أسباب سكوته. وأن يسأل البرلمان وزارة التخطيط عن كيفية توزيع الثروات بين المحافظات، فهنالك مدن في الوسط والجنوب، لا تحصل على أبسط متطلباتها التنموية. وأن تعرض الوزارة خطط البناء علناً، وفقاً لمخطط عادل لتوزيع الثروة، للتأكد من حجم هامش الأسباب الطائفية والعرقية والمناطقية التي أدت إلى التمييز بين المدن.

وأود أن أشيد بتكرار نائب رئيس الوزراء الدكتور رافع العيساوي لقناة «العربية» (25/9 الجاري) ما ورد في مقالي السابق عن ضرورة تشكيل محكمة دولية حول جرائم اختطاف موظفي ومراجعي وزارة التعليم العالي واللجنة الأولمبية وتهجير الملايين..، وتأكيده وجود مليون ونصف المليون مشرد عراقي في سورية. ويبقى الالتزام الفعلي سيد الأقوال.

أخيراً، ما دعاني لكتابة هذا المقال، مشاهدتي مقطعاً فيديوياً نشر على موقع يعود لقيادي في الائتلاف، للقاء موسع للمالكي مع شيوخ عشائر. وقف أحدهم مخاطباً المالكي بأهزوجة شعبية بألا يعطي ما بيده (أي الحكم)، فيرد عليه بالإيجاب وبإصرار غريب. ولا يُعرف إن كان الفيديو صحيحاً، ويتطلب المساءلة أيضاً ضمن قائمة طويلة من بيانات المساءلة، أم خضع لتداخل فني، مما يقتضي على الحكومة التوضيح.

هل يُسجل البرلمان موقفاً تاريخياً بالبدء بمحاسبة الحكومة وهي على كراسيها؟ فإن فعل يحق للمعارضين السابقين الفخر بدورهم، وليس ملاحقة آلاف/ عشرات آلاف الأشخاص تحت غطاء قانون المساءلة والعدالة، عن حقبة ما قبل 2003. فحري بالكل تطبيق القانون على ما تشاهده عيونهم الآن من خروقات فظيعة وليس اجترار الماضي.