ما بعد دبلوماسية المصافحات

TT

من شاهد «حفلة» المصافحة الباردة بين الرئيسين الفلسطيني، محمود عباس والإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، «برعاية» الرئيس الأميركي باراك أوباما، لا يسعه إلا أن يتساءل: أما آن الأوان لأن ننتهي من المجاملات البروتوكولية على هامش النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لندخل رأسا في صلب النزاع ونبدأ بتسويته؟

لو كانت المصافحات بين الأعداء تجدي نفعا لكان النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي سوّي منذ المصافحة «التاريخية» الأولى بين الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، ورئيس الحكومة الإسرائيلية الراحل، إسحاق رابين، في 13 سبتمبر (أيلول) 1993.

ولكن ما تبع هذه المصافحة من حروب وضحايا ومن ارتفاع بنسبة الثلث في عدد المستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخصوصا القدس الشرقية، أظهر أن المجاملات لم تعد أكثر من مناسبات دعائية لإرجاء التسوية لا تقريبها.

واليوم يثير استمرار دبلوماسية المصافحات تساؤلات حول مصير التسوية النهائية على ضوء خلفيتين لافتتين: مواصلة نتنياهو تحديه طلب الإدارة الأميركية تجميد عمليات الاستيطان وتكاثر الحديث عن احتمال تدخل أوباما، شخصيا، في الدفع لاستئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية.

ولكن إذا كانت كل قرارات الأمم المتحدة (242 و338 و425 والتي على أساسها انعقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991)، وكل ضغوط الأسرة الدولية لم تفلح في زحزحة حكومة الليكود إنشاً واحدا عن موقفها الرافض لتجميد الاستيطان وحملها على البدء بمفاوضات جدية على التسوية النهائية.. فذلك يفترض أن الجهة الوحيدة القادرة على«إقناع» الحكومة الإسرائيلية بالعودة إلى التفاوض هي الرئيس أوباما شخصيا.

ورغم أن تطورا كهذا قد يعجل في استئناف التفاوض، فإنه يحمل في طياته احتمال تحول التسوية السلمية إلى ما يمكن وصفه بامتحان «مواجهة شخصية» بين أوباما ونتنياهو قد يتعرض فيه الأول لضغوط اللوبي الإسرائيلي في واشنطن ويبني عليه الثاني بطولات«شوفينية» في الشارع اليميني في إسرائيل.

لذلك، وكي لا «تشخصن» التسوية النهائية بين أوباما ونتنياهو، قد يتوجب على إسرائيل احتساب تبعات العيش بلا صديق في البيت الأبيض أو حليف في واشنطن في وقت تُجمع فيه الأسرة الدولية على أهمية التوصل إلى سلام فلسطيني ـ إسرائيلي، وتبرز فيه إيران كخطر جدي عليها في المنطقة.

الخطوة الأولى في تجاوز حالة «الشخصنة» قد تكون في العودة إلى سابقة تاريخية في علاقة واشنطن بإسرائيل، فغير خاف أن تحلل إسرائيل من كل الاتفاقات التي عقدت برعاية أميركية ودولية في عهود الإدارات السابقة، يعود إلى أنها لم تواجه سوى مرة واحدة تهديدا جديا بعقوبة أميركية ما، وذلك حين اشترط الرئيس جورج بوش الأب على حكومة إسحق شامير، عام 1992، وقف عمليات الاستيطان لتلبية طلبها لقروض تحتاجها لتمويل استيعاب المهاجرين الروس.

إذا جاز البناء على هذه السابقة اليتيمة يجوز التساؤل عما إذا كان الرئيس أوباما مستعدا للذهاب إلى حد اتخاذ قرار مماثل يربط فيه مواصلة المساعدات الأميركية المالية والعسكرية الضخمة لإسرائيل بتجميد كامل لعمليات الاستيطان.

عمليا، لا يبدو اتخاذ إدارة أوباما لهذا القرار بالصعوبة التي كانت عليه عام 1992، فعلى الصعيد التعاقدي وضع اتفاق أوسلو المبرم عام 1993 القاعدة «القانونية» له بنصه على تعهد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بالامتناع عن اتخاذ أية خطوات تخلق أمرا واقعا يعرقل التسوية النهائية ـ رغم أن إسرائيل ادعت لاحقا أن هذا التعهد لا يشمل البناء في المستوطنات.

وعلى الصعيد السياسي، من الأسهل على إدارة أوباما اتخاذ قرار بهذا الشأن في ظل الانقسام القائم حاليا في واشنطن في مواقف «اللوبي» الإسرائيلي حيال الاستيطان بعد أن أيدت منظمة «جاي ستريت» اليهودية مطالبة الإدارة الأميركية بوقف تام للاستيطان.

..وإذا أراد أوباما أيضا إضفاء موقف مبدئي على قراره فلن يحتاج إلى أكثر من إسناده إلى قانون المساعدات الأجنبية الأميركية الذي ينص على منع تصدير الأسلحة إلى الدول التي تنتهك حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، فيصيب بذلك عصفورين بحجر واحد: الضغط على إسرائيل.. وتعزيز مصداقية بلاده في الشرق الأوسط.