هذا ما قاله سليماني عن المالكي.. فماذا يقول الأميركيون؟

TT

كثيرة هي الأزمات التي مرت بها الحكومة الحالية في العراق، وكان مفترضا أن ترحل بعد أن استقال معظم وزراء ثلاث كتل برلمانية مهمة. فالغالبية العظمى من الكتل السياسية لم تكن راضية عن أداء المالكي. ووفقا لما قاله أحد أرفع ما يوثق بهم، فإن شخصين مهمين توجها إلى إيران قبل بضعة أشهر، والتقيا القيادة الإيرانية طالبين دعمها في سحب الثقة عن المالكي، ورُتب لهما لقاء مع قاسم سليماني قائد فيلق القدس. وبعد أن عرضا عليه الطلب رد عليهما بالقول (إن السيد مالكي شخص وطني ولا نؤيد سحب الثقة عنه). وهكذا قُضي الأمر.

صحيح أن الصفة الوطنية شاملة ويصعب الحكم في ما إذا كان شخص ما وطنيا أم لا، إلا أن من أبجديات تفسير الوطنية أن يكون عمل المسؤول موجها لخدمة كل المواطنين والتعامل معهم بلا تمييز، وهي حالة لم تبلورها ممارسات الحاكم الحالي، التي ولّدت إحباطا كبيرا لدى شرائح واسعة من العراقيين بسبب اتباعه نهجا حزبيا ضيقا وطائفيا واضحا (جدا).

وعندما تأتي الشهادة الوطنية من قائد فيلق الإرهاب الإيراني، فإنها تعطي طعما لا يمكن تذوقه، ولم تعد الحاجة قائمة للتمهل في البعد الحقيقي للعلاقة بين المالكي ونظام المرشد. ومن هنا يمكن تفسير مغزى تقليله من جدوى التعويل على المحيط العربي، في معالجة المعضلات والمشكلات التي تحصل بين الأشقاء.

وفي الوقت الذي يطمع فيه حكام إيران الحاليون في فرض تعويضات ضخمة على العراق، ويحاربون العراقيين في مصادرهم الطبيعية للمياه، لم تجرؤ حكومة المالكي على مطالبة إيران بإعادة ما يقرب من (140) طائرة عراقية مودعة عندها، فكيف يمكن تجسيد مطالب العراقيين المشروعة بمحاسبة فيلق القدس و(من خوّله) و(من سانده) و(من أغمض العينين عنه) على الفظائع التي ارتكبت في العراق منذ 2003؟ يفترض أن يكون الأميركيون قد علموا بما قاله سليماني، وهنالك تفاوت في المواقف والرؤى بين بعض السياسيين الأميركيين والمخابرات، ولو ترك الأمر للمخابرات، على ما أظن، لتغير الكثير من المعطيات إيجابيا. فبدل أن ينظر السياسيون بعين سليمة تجاه الواقع العراقي، خصوصا ما يرتبط بجموح المالكي وفريقه القريب إلى إيران، في إلحاق إيذاء مرفوض وفق كل القواعد السياسية والإنسانية والقانونية والسماوية، بملايين البعثيين وعائلاتهم، تعاملوا معه كزعيم قوي قادر على توحيد العراق، وهي رؤية خاطئة لا أساس لها.

وكان على السياسيين الأميركيين عدم الانسياق وراء ادعاءات المالكي، وعدم السكوت له، لأن نشاطاته تمثل في النهاية، بقصد كلي أم جزئي أم توافق المواقف، توجهات إيرانية عدائية. وكلما فقد العراقيون الثقة بالدور الأميركي أكثر، تعقدت المهام الدولية تجاه إيران. فيما يمكن الاستفادة من تكثيف وجود البعثيين السابقين ضمن الدولة، في التصدي للنفوذ الإيراني سياسيا وبكفاءاتهم وتنافرهم مع نظام (الفقيه)، الذي تغلغل في الدولة العراقية بطريقة سافرة، في ظل حكم المالكي (شخصيا). وأقول شخصيا لأن هنالك علامات إيجابية في العديد من الوزارات، منها الداخلية، ينبغي تفحصها وتشجيعها.

من يتابع سخونة الانتخابات من الآن يشعر أن فريق المالكي ليس مهتما بغير الحديث عن تجديد ولايته. وربما أن أحد أسباب ذلك يعود إلى محاولة التخلص مما سيترتب على تبعات فترة حكمه. فقد يقوم من يأتي بعده من الائتلاف أو غيره، وهكذا يفترض، بفتح ملفات لا حصر لها، عن مرحلة العنف الطائفي، ونهج المالكي في معالجة المواقف، خصوصا في الأشهر الأولى من فترة حكومته، ولا أريد أن أستبق الحديث عما سيحصل من تطورات مثيرة بهذا الصدد، لأن ما وقع، خصوصا في بغداد، كان فظيعا وفق كل القياسات ولا يمكن استمرار التستر عليه، ولم يكن الناس غافلين عما حصل. لذلك جاءت الانشقاقات التي تعرض لها حزب الدعوة تعبيرا عن الخلافات مع نهج المالكي، وهي انشقاقات تحظى بتفاعل شعبي إيجابي.

وفي المحصلة، لا يمكن القبول بدعم حزب ديني مُقنع بتوجهات ديموقراطية غير صادقة، ووثيق الصلة بنظام التحجر في إيران، ليكون بديلا مرشحا لملء الفراغ الذي تركه حزب البعث. فقدر العراق أن يكون جزءا من معادلة التصدي الدولي لسياسة التمادي الخمينية، إلى أن يتحرر طلاب الحرية في إيران من الظلم. وهذا لا يتحقق بمواصلة تقديم التسهيلات للمالكي. أما الهامش الديموقراطي المتاح في العراق فمفروض على المالكي فرضا بحكم المعطيات. والحقيقة التي لا لبس فيها أن المالكي ما كان ليكون لولا الدعم الخارجي، وما كان ليقوى على البقاء حتى لو وصل في غفلة من الزمن.