الجميل الذي أسداه لنا جيمي كارتر

TT

ربما يكون ما كتبتُ العام الماضي عن المرشح باراك أوباما ـ وأنه كي يفوز يجب أن يُنظر إليه على أنه «أقل رجل أسود تعرض للظلم في أميركا» ـ مرتبطا بواقعنا الحالي بدرجة أكبر، فمن أجل قيادة هذا البلد المتنوع العنيد بصورة فعالة، يجب أن يناقش الرئيس القضايا العرقية بدقة وحذر ولباقة. ويجب أن يقبل أشد منتقديه، رغم أنه قد يكون غير متأكد مما يقولون.

ولكنني لم أقم بذلك. ولذا يمكنني القول بصراحة إن جيمي كارتر كان على حق بالأساس، ولكنه كان مخطئا بدرجة ما. ويبدو واضحا بالنسبة لي أن بعضا ـ ليس «نسبة كبيرة»، مثلما زعم كارتر ـ من «العداء الواضح» لأوباما يعود إلى «حقيقة أنه رجل أسود».

لا يوافق أوباما على ذلك. وقال السكرتير الصحافي في البيت الأبيض، روبرت غيبس: «لا يعتقد الرئيس بأن النقد الذي يأتيه يعود إلى لون بشرته». وأوباما هو أكثر رئيس ثرثار منذ عدة أعوام، ولكن عندما سأله صحافي عن تصريحات كارتر، لم يكن لديه ما يقول. وبنفس الصورة لا يريد الكثير من قيادات الحزب الديمقراطي ـ خارج مجموعة السود بالكونغرس ـ التطرق إلى هذا الموضوع المثير. وأنا لا ألومهم على القيام بذلك كنوع من الاستراتيجية السياسية. ففي اللحظة التي تلاحظ فيها أن ما يدفع بعض منتقدي أوباما هو العِرق، يقول المنتقدون إنهم يوصفون جميعا بأنهم «عنصريون»، لأنهم لا يوافقون على سياسات أوباما. وهذا ليس صحيحا.

وبالطبع، من الممكن الاعتراض على سياسات أوباما وفلسفته دون أن تكون عنصريا. وهناك شيء ضار في الهجمات اللاذعة وهو أن الاعتراض ليس على برامج أوباما، ولكن على شرعيته كرئيس. ويعد رفض الشرعية هذا أكثر ضررا من الانتهاكات المتراكمة على جورج بوش من قبل منتقديه (وأنا منهم)، ولا يمكن أن يكون العثور على تفسير لذلك سوى العِرق.

وأنا لا أتحدث عن أغلبية المواطنين الذين ذهبوا إلى اجتماعات مجالس المدن لانتقاد خطة أوباما لإصلاح قطاع الرعاية الصحية، ولا عن أغلبية متظاهري «كيس الشاي» الذين يشتكون من أن أوباما يدشن مرحلة حكومية كبيرة تعاني من الفساد وضعف الكفاءة. وبالطبع، فإن هذه وجهات نظر شرعية. فالاعتراض جزء من نظامنا. إنه طابع أميركي محض.

أنا أتحدث عن المجانين ممن يشككون في أن أوباما ولد في أميركا. وأتحدث عن الحمقى الذين جاءوا إلى تجمعات احتجاج يحملون صور كاريكاتير مسيئة من الناحية العِرقية، كان أوباما فيها مثل الدجال على سبيل المثال. وأتحدث عن الأغبياء الذين يدرسون كلمات مثل «الاشتراكية» لجعل أوباما يبدو غريبا وخطيرا، والذين يرفضون فكرة أنه أيضا أميركي محض.

وقد أطلق هذا النقاش برمته عبارة النائب جو ويلسون «أنت تكذب!» التي انفجر بها خلال خطاب أوباما أمام جلسة مشتركة للكونغرس. وكما يفهم أعضاء مجلس النواب الذين صوتوا على توبيخ ويلسون، ومن بينهم سبعة جمهوريين، فإن وصف رئيس الدولة بأنه كاذب في مثل هذا التجمع الرسمي شيء يتجاوز الحد. التجهم أو الاستياء شيء متوقع، ولكن الاتهام الصريح بالكذب علامة، غير مسموح بها، على عدم الاحترام. ولم يصف أحد بوش بالكذب عندما كان يتحدث في مجلس النواب.

لماذا يظن ويلسون أنه مسموح له بإهانة الرئيس بهذه الطريقة؟ ولماذا يرفض عرضا بتقديم اعتذار رسمي من على منصة مجلس النواب، وهو ما كان سوف ينهي القضية؟ لا فكرة لدي. ويقول الأصدقاء والزملاء إنه ليس عنصريا، وهم يعرفون هذا الرجل أكثر مما أعرف، ولكن لديه تاريخ بالفعل.

قبل أن ينتخب في الكونغرس، كان ويلسون ضمن مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ في ولاية كارولينا الجنوبية الذين صوتوا للإبقاء على العلم الكونفيدرالي يرفرف فوق مقر حكومة الولاية في كولومبيا. وكان ذلك بعد معركة مريرة وطويلة حول العلم، جعلت القضية حربا بالوكالة حول العِرق، على الأقل في أذهان معظم سكان كارولينا الجنوبية، هل كان على الولاية أن تتحرك قدما، أم كان عليها التعلق بماضيها المخجل؟ وقرر معظم الساسة داخل الولاية، ومنهم معظم المحافظين، أن هذا هو وقت التحرك للأمام. ولكن كان ويلسون واحدا من آخر المحافظين المعاندين.

وبالطبع، كان هذا حقه. ولكن بعد أن قام بتصرف ينم عن عدم الاحترام لأول رئيس أفرو ـ أميركي، فإنه من حقي أن أسأل عما إذا كان الدافع وراء ذلك دافعا عنصريا.

أتطلع إلى اليوم الذي نتجاوز فيه العِرق، ولكن قبل أن نقوم بذلك يجب أن ننظر إلى العِرق ونفهمه بصورة واضحة. لقد أسدى جيمي كارتر لنا جميلا.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»