حسن الجواب

TT

فن الريبارتيه repartee أو ما نسميه بحسن الجواب أو حضور البديهة، من ألوان الأدب الشفهي الذي تعتز به الأمم. وحسن الجواب يتطلب السرعة والإيجاز والدراية اللغوية والقدرة على الوخز. إنه أشبه بالمبارزة بالكلمات بدلا من السيوف. وله أمثلة رائعة كثيرا ما تتكرر على الألسن. المسرح والبرلمان هما المدرستان اللتان تصقلان وتشحذان هذه الموهبة. هكذا تميز الكاتب المسرحي برنارد شو بهذه المقدرة. كان نحيفا جدا فلما قابله تشسترتن قال له: من يراَك يا مستر شو، يرَى المجاعة العالمية أمامه. وكان تشسترتن على عكس برنارد شو سمينا مكرشا فأجابه: «ومن يراَك يا مستر تشسترتن يرَى سبب المجاعة!».

تشرشل يجسم ما تعلمه الظرفاء من الحياة البرلمانية. كان من المحافظين والتقى السيدة إستر التي آمنت بالاشتراكية. وبعد صولة طويلة في مهاجمة الاشتراكية قاطعته وقالت: «لو كنت زوجي لما ترددت في وضع السم في قهوتك»، أجابها قائلا: «ولو كنتِ زوجتي لما ترددت في شرب تلك القهوة!».

التقت القريحتان البرلمانية والمسرحية عندما أخرج شو إحدى مسرحياته وبعث ببطاقتين لتشرشل لليلة الأولى من العرض، مع بطاقة تقول: «هاتان بطاقتان، واحدة لك وواحدة لأحد أصدقائك، إن كان لك أي أصدقاء في العالم».

ولكن تشرشل لم تكن له فرصة لحضور المسرحية. فأعاد البطاقتين مع اعتذار يقول: «آسف أن أكون منشغلا في تلك الليلة، ولكنني سأحضر المسرحية في الليلة الثانية، إن بقيت المسرحية ليلة أخرى».

لم يكن الرسام بيكاسو من المسرحيين أو البرلمانيين، ومع ذلك فقد كانت له إجابات بارعة خالدة. اشتهر بلوحة «غارنيكا» التي تصور هول قصف الطائرات الألمانية على تلك القرية غارنيكا. لا عجب أن كره النازيون تلك اللوحة. وعندما احتلوا باريس التقى القائد الألماني بالرسام أمام تلك اللوحة التي تصور الفاجعة. التفت إليه وسأله مشيرا إلى اللوحة: « هل أنت من عملها؟» فأجابه: « لا، بل أنتم عملتموها!».

ماذا عن تراثنا العربي؟ جاء في التراث أن الإمام علي سألوه عن الغوغاء. مَن الغوغاء؟ فقال: قوم إذا تجمعوا ضروا وإذا تفرقوا نفعوا.

جادت الحياة البرلمانية في العراق بشيء من هذه الطرائف. وأعتقد أن أروعها كان جواب رئيس الوزراء ياسين الهاشمي على أحد النواب. تحداه النائب بأنه لا يعرف حتى كيف ينطق باسم العراق فيلفظه بضم العين «عُراق» بدلا من الكسرة «عِراق». فأجابه الهاشمي. نعم أنا أقول العراق بالضم لأنني أحب أن أرفع عين العراق ولا أكسرها.

وفي سوريا تميز فارس الخوري بمثل هذه الموهبة. قيل إنه كان يتميز بذكاء خارق يمكنك أن تتلمسه بكبر رأسه. قالوا إنه ذهب يوما إلى السوق ليشتري طربوشا له. لاقى صعوبة كبيرة في الحصول على طربوش يتسع لرأسه. ولكنه اهتدى في الأخير إلى واحد مناسب له. ذكر له البائع سعره فاستكثره. فقال له البائع: «رُح دوّر السوق كله. إذا لقيت طربوش يتسع لرأسك فأنا أدفع ثمنه». أجابه: «وأنا أقول لك. إذا لقيت في كل سوريا رأس غير رأسي يملي هذا الطربوش فأنا أدفع له سعره».