فتة ملوخية!

TT

يقال إذا أردت أن تعرف المستوى الثقافي لأمة من الأمم فانظر إلى النمط الغالب من الكتب التي تحتل واجهات مكتباتها، ولو طبقنا هذا الرأي على واقع مكتباتنا العربية من الخليج إلى المحيط لأدركنا حالة التردي الثقافي التي نعيشها، وقد احتلت واجهات منافذ البيع كتب الأبراج، وقراءة الطالع، والفضائح، والطبخ، والثرثرة، التي كتبها طباخون، و«بودي جاردز»، وسماسرة، ومشعوذون، وأفاقون، واختفت أو توشك أن تختفي كتب كانت لها الصدارة أمثال كتب الأدب والفكر والسياسة والمجتمع، حتى المكتبات العريقة في بعض العواصم العربية استجابت هي الأخرى لمتطلبات السوق، وأرجعت العقاد، وجمال حمدان، وزكي نجيب محمود، وعبد الله الغذامي، والجابري خطوات إلى الخلف لتحتل الواجهة عناوين مثل: «فتة الملوخية»، «شخصيتك من صبغة شعرك»، «عرقوبك دليل جمالك»، «خطوط كفك مرايا مستقبلك»،«فضيحة المليونير»، وغيرها من العناوين «الهشّك بشّك»، وتخيلوا أن جيلا من الشباب العربي سيتربى على هذه العناوين كيف سيكون حاله، وإلى ماذا سينتهي مآله!

أعتقد بأن الشأن الثقافي لو ترك لقوانين السوق التي تتحكم في دور النشر، ومنافذ بيع الكتاب، فسوف نسهم في خلق جيل عربي بينه وبين الثقافة ما بين كوريا و«كوريا»، ولذا لا بد أن تتبنى جامعة الدول العربية بدعم من الحكومات مشاريع ثقافية طموحة تستهدف إعادة القيمة للكتاب، كأن يكون للجامعة مشروع «المائة ألف كتاب»، تتبنى فيه وفق خطة زمنية نشر أو إعادة نشر كتب ذات قيمة علمية وثقافية، تطرحها في طبعات شعبية، وبأسعار رمزية، واخترت الجامعة العربية لهذه المسؤولية لعدة أسباب منها: أن الهم الثقافي العربي واحد، وأن الجامعة العربية يمكن أن تفعل في الفضاء الثقافي ما عجزت عن فعله في حقول السياسة، وبالتالي يمكنها الرهان المستقبلي على أجيال أكثر وعيا وإدراكا لرسالة الجامعة العربية من جيلنا الذي لم يضعها موضع التقدير الذي تستحقه.

قد يراهن العرب في رهانات المستقبل على أشياء كثيرة اقتصادية، وسياسية، وتقنية وغيرها، لكن لا شيء يكفل لهم اللحاق بركب الدول المتقدمة أكثر من الرهان على الثقافة، فمشكلات العرب الحالية رغم القول بتعدد أسبابها، هي في الواقع إشكاليات ثقافية بالدرجة الأولى، ويندرج ضمن هذه المشكلات الإرهاب، وأحادية الرأي والرؤية، ورفض الآخر، وتعثرات الحوار، وجميعها يتصل بالحالة الثقافية الراهنة المتردية.. فهل آن الأوان لكي نقرر الخروج من المأزق؟

[email protected]