الذين يعرفون أكثر!

TT

أدخل دورة المياه مرة أو عشرين مرة أو مائة مرة ولا أنظر لوجهي في المرآة.. أو أنظر ولا أرى شيئا. كأنني لا أريد أن أعرف عن نفسي. أو لعله لا يوجد سبب معقول لأن أنظر إلى وجهي في المرآة. وإذا نظرت فإنني لا أرى ما يستحق الالتفات إليه.

فإذا حاول أحد. أو حاولت إحداهن. أن تصف الملامح التي تعجبها في أي شخص وتتفنن في وصفها. فإن تكرارها في لحظات السعادة يسحرنا، فهو أو هي ترى أكثر وأوضح.. ترى ما لا نراه. ويسعدنا ذلك. ونصدقه.

وقديما قال المتنبي عن عالم عربي اسمه ابن جني أنه أعرف بي مني ـ أي يعرفني أكثر مني. وابن جني قد لازم المتنبي عشرين عاما.

والشاعر الألماني جيته قال عن الأديب الفرنسي الذي ترجم له مسرحية (فاوست) إنه يعرف عن أعماقي ما لم أكن أعرف.

وفى صالون العقاد كنا جميعا نتحدث عن إعجابنا بالأستاذ. ولاحظت أن اثنين من تلامذته إذا تحدثا التفت إليهما العقاد سعيدا ولا يقول شيئا. كأنها حقيقة بديهية. وكان راضيا عنهما حتى إن تلميذه وصديقه الشاعر طاهر الجبلاوي قال: إذا أراد الأستاذ أن يعرف شيئا من أسراره وخباياه اسألوني أنا. اسألوني أجيبكم وأمام الأستاذ. والأستاذ يسكت راضيا!

وفى إحدى المرات قالت فنانة للأستاذ: أريد أن أرسم لك صورة يا أستاذ قال: يا سيدتي تأخرت كثيرا.

أي إن صورته أيام الشباب كانت أجمل. ولكننا لم نكن نرى العقاد كبيرا. ولذلك كان ذهولنا يوم مماته. فقد توهمنا أنه لا يموت..

وفى تاريخ ابن أبي أصيبعة حكاية غريبة عن طبيب يهودي مصري يقال له: الحقير النافع. لماذا هو حقير؟ أما لماذا هو نافع فقد كان الحاكم، الذي لم يذكر اسمه، مريضا. وعالجه هذا الحقير.. وليلة جلس الحقير النافع يتحدث للناس عن الحاكم وكيف ينسى وكيف تقابله زوجته.. إنه يعرف عن الحاكم أكثر فأدخله الحاكم السجن!