كيف ظهرت شوائب في مخزن إيران النووي؟

TT

ربما لا تكون ممن يطالعون بانتظام دورية «نيوكليونكس ويك» المتخصصة، ولذا اسمح لي بأن ألخص لك مقالا نشرته الدورية في عددها الصادر يوم 8 أكتوبر (تشرين الأول). ذكر المقال أن مخزون إيران من اليورانيوم ضعيف التخصيب، وهي المادة الخام اللازمة لصنع قنبلة ذرية، توجد به «شوائب» «يمكن أن تتلف أجهزة الطرد المركزي» إذا حاول الإيرانيون رفع مستوى تخصيب اليورانيوم كي يكون مناسبا لصنع قنبلة.

إنه شيء مثير! وربما لا يبدو الاتفاق، الذي تم التوصل إليه في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) بجنيف بعد أن وافق الإيرانيون على إرسال نحو 1500 كيلوغرام من اليورانيوم ضعيف التخصيب لتخصيبها بدرجة أعلى خارج البلاد، إنجازاً كما ينظر إليه الناس. فربما لا يوجد لدى إيران خيار آخر سوى السعي للحصول على مساعدة من الخارج في عملية التخصيب لأن أجهزة الطرد المركزي التي لديها قد تتلف.

وقد أشار مراسل الدورية في مدينة بون، مارك هيبس، إلى أن «هذه الشوائب ومعها مركبات فلزية فلوريدية قد تعوق عملية التخصيب باستخدام أجهزة الطرد المركزي» داخل المنشأة الإيرانية بناتانز.

لقد فاجأني هذا الخبر، فإذا كان تقرير «نيوكليونكس ويك» دقيقا (وهناك بعض الشكوك لدى الخبراء بخصوص خطورة مشكلة الشوائب)، فإن البرنامج النووي الإيراني في حالة أسوأ كثيرا مما ظن معظم المحللين. وسوف يكون الوقود الملوث الذي أنتجته إيران حتى الآن دون قيمة فيما يتعلق بعملية تصنيع أسلحة نووية. ولصنع وقود كاف لصنع قنبلة، فعلى إيران البدء مجددا، ولكن مع تجنب هذه الشوائب. وقد تمكن الإيرانيون من تحقيق أفضل ما يمكن من وضع سيئ، فمن خلال المقترح الذي تم تبنيه في جنيف نجح الإيرانيون في الحصول على موافقة الغرب على تطهير الوقود الذي لن تكون له قيمة دون حدوث ذلك كي يتمكنوا من الحصول على طاقة نووية للاستخدامات النووية المدنية التي يزعمون أنها مرادهم الوحيد.

وقد قال جورج بيركوفيتش، مدير برنامج الحد من انتشار الأسلحة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إنه «تصرف وقح من جانب إيران أن تسعى إلى استغلال رغبتها في الحصول على تعاون دولي لتوفير وقود نووي وجعل ذلك يبدو وكأنه تنازل».

وقد حظي الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه في 1 أكتوبر (تشرين الأول) بالقبول لأن إيران كانت تتعهد بإرسال اليورانيوم ضعيف التخصيب لديها والذي تبلغ درجته 3.5 في المائة إلى روسيا، حيث ستصل درجة التخصيب إلى 19.75 في المائة وهو ما يحتاج إلى مفاعل بحثي في طهران ينتج نظائر طبية. وبموجب الاتفاق المبدئي التي تم التوصل إليه في جنيف عرضت فرنسا تحويل اليورانيوم المخصب بدرجة أكبر إلى تركيبات وقود.

وقد قال مسؤول أميركي بارز للصحافيين بعد مباحثات جنيف: «الميزة المحتمل تحقيقها من ذلك، إذا ما تم، هو أن ذلك سوف يقلل مخزون إيران من اليورانيوم ضعيف التخصيب بدرجة كبيرة وهو ما يعد في ذاته مصدر قلق في الشرق الأوسط وأماكن أخرى». ومن المقرر عقد اجتماع آخر مع إيران في فيينا يوم الاثنين لصياغة التفاصيل.

ولكن، دعنا نعُد إلى الحديث في الموضوع من الناحية الفنية. قال هيبس في المقال: «لو كان يجب تطهير مخزون إيران من اليورانيوم قبل إعادة تخصيبه... فإن ذلك يشير إلى أن سيناريو الظهور المفاجئ في إيران لا يعد تهديدا في المدى القريب. وذلك لأن قيام إيران بإعادة التخصيب لليورانيوم ضعيف التخصيب داخل ناتانز دون عملية التطهير يمكن أن يدمر أجهزة الطرد المركزي المستخدمة لهذا الغرض». ويظهر مقال «نيوكليونكس ويك» أن شركة «إريفنا» الفرنسية «لديها تقنية ومعدات ذات صلة بالتحويل يمكن أن تساعد على تطهير اليورانيوم ضعيف التخصيب الموجود لدى إيران».

وبادئ ذي بدء، كيف ظهرت هذه الشوائب في مخزون اليورانيوم الموجود لدى إيران؟ إنه سؤال مثير للاهتمام. يبدو أن الشوائب المذكورة ظهرت في مفاعل إيراني موجود في أصفهان يقوم بتحويل اليورانيوم الخام إلى صورة غازية يمكن تخصيبها باستخدام أجهزة الطرد المركزي. وذكرت «نيوكليونكس ويك» في عام 2005 أن مفاعل أصفهان لم يقم بإزالة مادة الموليبدنيوم وغيرها من الشوائب بالصورة المناسبة.

وثمة سؤال يطرح نفسه: من أين أتت الأجهزة الموجودة في مفاعل التحويل بأصفهان الذي يعاني من قصور؟ يمكن القول إن الإيرانيين كانوا يشعرون بالقلق بخصوص هذا المفاعل لمدة من الوقت. وفي الواقع، ربما تكون هناك تساؤلات لدى الإيرانيين عن الأجزاء الأخرى بمنشآتهم النووية التي يمكن أن تكون عرضة لمواجهة قصور في العمل.

وإن كان ذلك غير كاف لكي يشعر الإيرانيون بالخوف، فهناك الخبر المسرب عن مفاعل التخصيب السري الذي كان يتم حفره في جبل بقاعدة للحرس الثوري بالقرب من مدينة قم، فإذا كانت الولايات المتحدة تعرف ذلك، فماذا يوجد أيضا في جعبة الشيطان الأكبر؟

وهذه هي المحصلة النهائية: ربما ما زال هناك وقت في الساعة النووية الإيرانية أكثر مما كان يخشاه الكثير من المحللين. وربما يدمر مخزون الوقود الذي أنتجه الإيرانيون حتى الآن أجهزة الطرد المركزي لديهم إذا ما حاولوا تخصيبه كي يكون صالحا لصنع قنبلة ذرية. وثمة فائدة في الوصول إلى صفقة مع إيران لتخصيب الوقود النووي خارج إيران إذا أمكن للمجتمع الدولي الإشراف على مكان ذلك وكيفية استخدامه، ومعرفة ما إذا كانت هناك أشياء أخرى مخبأة وسرية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»