أحلام بيل غيتس

TT

عندما تكون مثل بيل غيتس، وتدير مؤسسة لها أصول أكبر من إجمالي الناتج المحلي لدى 104 دول، يتسع حماسك ويتخذ نطاقا عالميا. قبل ستة أو سبعة أعوام قرأ غيتس كتابا لغوردن كونواي بعنوان «الثورة الخضراء المضاعفة: طعام للجميع خلال القرن الحادي والعشرين». ويروج الكتاب لثورة خضراء أخرى، تظهر داخل أفريقيا هذه المرة. ومنذ ذلك الحين خصصت مؤسسة «بيل وماليندا غيتس» مئات الملايين من الدولارات لهذه القضية. وهي الآن ضمن أجندة سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومجموعة العشرين التي تعهدت مؤخرا بتخصيص 22 مليار دولار لمساعدة المزارعين الفقراء على زيادة طاقتهم الإنتاجية.

وخلال حوار معه مؤخرا، وصف غيتس نفسه بأنه «من سكان المدن»، ولكنه تحدث كثيرا عن صدأ القمح والانتخاب الذي يعتمد على الوسمات ومحاصيل دخن الأصبع. قال لي: «لقد بعد العالم عن التركيز على البذور وأمراض النباتات بصورة خطيرة خلال 20 عاما». ويصر غيتس على أن يدفع من أجل إحياء ذلك.

ولديه أسباب استراتيجية، فنحو ثلاثة أرباع الأفريقيين يعملون في قطاع الزراعة، ومع ذلك يعاني 30 في المائة من سكان القارة من الجوع وسوء التغذية. وعلى مدى العقود القليلة المقبلة، سيكون على المزارعين الأفارقة إطعام عدد متنام من دون التوسع إلى أراض مهمة من الناحية البيئية مع التكيف مع اضطرابات مناخية تجعل موجات الجفاف والفيضانات والحشرات شيئا شائعا. وسوف يحتاج هؤلاء إلى مساعدة من غيتس وإلى ما هو أكثر.

وهناك سابقة، فالثورة الخضراء الأولى، التي دفع إليها استخدام مبيدات حشرية وأسمدة وبذور أفضل، كانت تمثل الإنجاز الإنساني الأعظم في التاريخ، وساعدت على إنقاذ حياة ما يصل إلى مليار شخص في مختلف أنحاء العالم. وبدءا من التسعينات من القرن الماضي، تمكن المزارعون من مضاعفة قدراتهم الإنتاجية وزيادتها إلى ثلاثة أمثال وحتى إلى أربعة أمثال. ولكن، فوتت الثورة القارة الأفريقية.

ويتم معظم هذا الابتكار من خلال وسائل إنتاج تقليدية، ولكن نحو 5 في المائة من تمويل غيتس الزراعي يذهب إلى تعديل المحاصيل وراثيا، وهو الأمر الذي يدافع عنه بقوة. وقال لي غيتس إن «الفوائد التي تجنى من المحاصيل المعدلة وراثيا أصبحت أبطأ بصورة عامة مما اعتقد الناس حتى داخل الولايات المتحدة؟ ولكنها بدأت تظهر نتائج جيدة». ويذكر غيتس أنه يمكن الوصول إلى سلالة من الأرز معدلة وراثيا يمكن أن تبقى لمدة أسبوعين تحت مياه الفيضان. وثمة سؤال يطرح نفسه: هل ستمثل المعارضة للطعام المعدل وراثيا من قبل المنظمين الأوروبيين والنشطاء ووسائل الإعلام مشكلة؟ يقول غيتس: «يمكن أن يمثل ذلك معوقا ضخما». وقد بدأت هذه المعارضة «في وقت كانت فيه منافع (هذه التقنية) صغيرة ـ الطماطم التي بقيت لفترة أطول على الرفوف ـ وفي الوقت نفسه ظهر مرض جنون البقر. ويتساءل الناس عما إذا كان العلماء قساة بالدرجة الكافية على أنفسهم بخصوص المخاطر التي كانوا يصنعوها. وفي الوقت الحالي، يحتمل أن تأتي المنافع وتعادل الدمار الذي يتسبب فيه التغير المناخي وتعالج حال الفقراء. إن تحول العلم إلى مرحلة النضج أهم، وتجربة هذه المحاصيل كانت جيدة جدا».

يدلل سعي غيتس إلى ثورة خضراء أخرى على كثير من منحاه الخيري، وهو منحى غير آيديولوجي ويعتمد على النتائج. إن إيمانه بالتقدم العلمي عتيق الطراز بصورة تثير الإعجاب. مألوف داخل المجتمع البيئي قبول التحذيرات الكبرى للعلم الخاصة بالمناخ العالمي والتفسخ البيئي، وليس رفض وعد العلم في التعامل مع الحاجات الكبرى. يهاجم المحتجون «الأطعمة المعدلة وراثيا» وحقول القمامة للمحاصيل المعدلة جينيا، ليفرضوا تكلفة لن يتحملوها أنفسهم.

ويقول غيتس: «كثير مما نقوم به يعتمد على التفاؤل بخصوص الابتكار من أجل تلبية حاجات الأكثر فقرا». ويستفيد الفقراء لأن بيل غيتس يرى أن تنوع البذور شيء ممتاز.

* خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».