الوصول إلى نموذج جديد للتغطية الصحافية

TT

شكلت التغطية الصحافية الرامية لمحاسبة أصحاب السلطة والنفوذ جزءا جوهريا من الحياة الديمقراطية الأميركية، خصوصا في المناطق التي يوجد بها صحف يومية تحقق أرباحا بما يكفي، وتتميز بملاك مفعمين بالرغبة في خدمة الصالح العام بدرجة تجعلهم يبقون على فريق عمل صحافي ضخم. حاليا، يتهدد الخطر هذا النمط من الصحافة، وكذلك الأسس الاقتصادية التي تقوم عليها الصحف والتي تعتمد على عائدات الإعلانات.

والآن بات يتحتم على المجتمع الأميركي تحمل بعض المسؤولية الجماعية عن دعم جهود التغطية الصحافية، مثلما يفعل المجتمع، وبتكاليف أكبر بكثير، مع التعليم العام والرعاية الصحية والتقدم العلمي والحفاظ على الموروث الثقافي، عبر قنوات متنوعة من الإسهامات الخيرية والدعم المالي والسياسات الحكومية. قد لا يكون من الضروري إنقاذ أو تعزيز أي وسيط إخباري محدد، بما في ذلك الصحف المطبوعة، بيد أن الأهمية الكبرى تتمثل في ضرورة الحفاظ على تغطية صحافية مستقلة وصادقة وموثوق بها، بغض النظر عما إذا كانت مربحة، وبغض النظر عن الوسيط الصحافي الذي تظهر من خلاله.

من جانبنا، لا نؤمن بفكرة أن الصحف ستختفي في أي من صورتيها المطبوعة أو الإلكترونية على شبكة الإنترنت في المستقبل القريب، إلا أنه من الواضح أن الصحف ستتسم بفرق عمل أقل عددا بكثير، وسيتضاءل دورها على نحو ملحوظ. في الوقت ذاته خلقت شبكة الإنترنت سبلا جديدة لجمع وتوزيع الأنباء على نحو يجعل من إعادة بناء الصحافة الأميركية أمرا ممكنا.

يذكر أن صحافيين ممن رحلوا عن الصحف شرعوا في بناء مواقع إخبارية محلية على شبكة الإنترنت في الكثير من المدن. وبدأ آخرون في مشروعات غير هادفة للربح تتعلق بالتغطية الصحافية وخدمات إخبارية محلية في جامعات قريبة، علاوة على منظمات صحافية وطنية معنية بالتحقيقات غير هادفة للربح. ويعمل آخرون مع مقيمين محليين لإنشاء مدونات لأخبار الأحياء، وتتعاون الصحف نفسها مع وسائل إعلام أخرى، بما في ذلك بعض المبتدئين والمدونين، لتعويض ضآلة فرق العمل المعنية بالتغطية الإخبارية لديها.

وتتضمن صفوف العاملين بمجال جمع الأخبار حاليا ليس فقط أعضاء صالة التحرير، وإنما كذلك المتعاقدين من الخارج بصورة حرة وطلاب الجامعات والمدونين والمواطنين المسلحين بهواتف نقالة ذكية. والآن بات الدعم المالي للنشاطات الصحافية بمجال التغطية الإخبارية لا يقتصر على الجهات الإعلانية والمشتركين فحسب، وإنما كذلك مؤسسات ونشطاء في مجال العمل الخيري وجامعات وتبرعات من مواطنين.

المؤكد أن هذه البيئة الصحافية الناشئة، التي باتت مهمة جمع الأخبار في إطارها موزعة على نطاق أوسع كثيرا، تحمل إمكانات كبرى، لكنها لا تزال هشة للغاية. في الواقع، إن الصحافة الرامية لمحاسبة أصحاب السلطة والنفوذ على وجه التحديد تتطلب موارد صحافية ضخمة وقيادة مهنية قوية ودعما ماليا يمكن الاعتماد عليه، الأمر الذي لم تعد السوق قادرة على توفيره بدرجة كافية.

بدلا من الاعتماد بصورة رئيسية على الصحف الآخذة في الانكماش، ينبغي أن تتمتع المجتمعات المحلية بمجموعة من المصادر المتنوعة للتغطية الإخبارية. وينبغي أن تتضمن مثل هذه المصادر منظمات إخبارية تجارية وأخرى غير هادفة للربح. يمكنها التنافس والتعاون بعضها مع بعض، وتعديل الأنماط الصحافية التقليدية بما يتوافق مع قدرات ملتيميديا والأخرى التفاعلية المميزة لوسائل الاتصال الرقمية. جدير بالذكر أنه في إطار تقرير شامل أمرت بوضعه كلية الصحافة بجامعة كولومبيا، يحمل عنوان «إعادة بناء الصحافة الأميركية»، من المقرر نشره هذا الأسبوع، اقترحنا عددا من المصادر العامة لدعم هذا النمط من التغطية الإخبارية على النحو التالي:

ـ ينبغي أن توضح خدمة العائدات الداخلية أو الكونغرس التنظيمات الضريبية، بحيث تسمح صراحة للمنظمات الإخبارية المحلية الجديدة أو القائمة بالفعل بالعمل ككيانات غير هادفة للربح أو قليلة الربح، ما يمكنها من الحصول على تبرعات معفاة من الضرائب، علاوة على عائدات إعلانية ومصادر داخل أخرى.

ـ ينبغي على الناشطين والمنظمات في مجال العمل الخيري زيادة الدعم الموجه إلى المؤسسات المعنية بالتغطية الإخبارية المحلية ـ بنمطيها التجاري وغير الهادف للربح ـ بحيث يصل إلى مستوى الدعم الذي يولونه إلى المؤسسات الفنية والثقافية والتعليمية.

ـ ينبغي إحداث عملية إعادة توجيه جوهرية لمحطات الراديو والتلفزيون العامة، من خلال جهود إصلاح من قبل هيئة الإذاعة العامة، بهدف توفير تغطية كبيرة للأنباء المحلية داخل جميع المجتمعات المحلية التي يوجد بها محطات عامة، الأمر الذي لا يفعله سوى عدد ضئيل للغاية منها حاليا.

ـ ينبغي أن تتحول الجامعات والكليات إلى مصادر مؤسساتية للتغطية الصحافية القائمة على محاسبة المسؤولين على الصعيدين المحلي والوطني، لتحذو بذلك حذو كليات صحافة رائدة يعمل طلابها في مواقع على شبكة الإنترنت لتغطية الأنباء المحلية.

ـ ينبغي إنشاء «صندوق للأنباء المحلية» اعتمادا على الرسوم التي تجمعها لجنة الاتصالات الفيدرالية أو يمكنها فرضها على مستخدمي سبل الاتصال عن بُعد أو تراخيص البث أو شركات خدمة شبكة الإنترنت. ينبغي توفير المنح على نحو تنافسي من جانب المجالس المحلية للتمويل الإخباري المستقلة على مستوى الولايات للمؤسسات الصحافية المحلية بهدف التشجيع على الابتكار في سبل تغطية الأنباء المحلية وسبل دعمها.

ـ ينبغي أن تزيد الحكومات والمنظمات غير الهادفة للربح والصحافيين إمكانية الوصول إلى والاستفادة من المعلومات العامة التي جمعتها حكومات على المستويات الفيدرالية والمحلية وعلى مستوى الولايات، والاستفادة من الأدوات الرقمية لتحليلها واستغلالها في التغطية الإخبارية.

تعد تلك إجراءات معقولة ويمكن تحقيقها، ولا تتطلب سوى جهود رائدة على الأصعدة المرتبطة بالصحافة والعمل الخيري والتعليم العالي والحكومة وباقي قطاعات المجتمع بهدف استغلال هذه الفرصة للتصدي للتحديات والشروع في بدايات جديدة على الصعيد الإعلامي لضمان مستقبل التغطية الصحافية.

*ليونارد داوني نائب رئيس ورئيس التحرير التنفيذي السابق لـ«واشنطن بوست»، وبروفسور الصحافة في جامعة ولاية أريزونا الأميركية.

*مايكل شودسون بروفسور الاتصالات في كلية الصحافة التابعة لجامعة كولومبيا الأميركية.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»