هل وكالة الطاقة وسيط سياسي؟

TT

عادت مفاوضات دول 5+1 مع إيران حول ملفها النووي في فيينا إلى المربع الأول بعد تراجع طهران عن تخصيب اليورانيوم خارج أراضيها، لكن اللافت هو التصريحات، ذات الطابع السياسي، التي نقلت عن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي في حوار مع مجلة «لكسبرس» الفرنسية.

فقد نقل عن البرادعي قوله إن لديه «أملا كبيرا» بأن توافق إيران على اقتراح تخصيب اليورانيوم في الخارج، وخصوصا بعد لقائه مع نجاد قبل 15 يوما، مما دفع البرادعي إلى اعتبار أن البعد السياسي لذلك الاتفاق سيكون «كبيرا»، حيث يقول البرادعي «إذا حصلنا على هذا الاتفاق فكل شيء سيصبح ممكنا. في النهاية، إيران يمكنها ممارسة تأثير إيجابي في أفغانستان والعراق وسورية ولبنان وفي الأراضي الفلسطينية».

وبالطبع ليس المقصود مصادرة آراء السيد البرادعي السياسية، لكن المقلق فيها أنها إقرار ضمني بحق إيران في التدخل في شؤون المنطقة، وهو أمر لا يوجد ما يبرره، فإيران ليست دولة حدودية لكل تلك الدول التي ذكرها السيد البرادعي، وإن كان البعد الجغرافي لا يخولها أيضا حق التدخل، ناهيك عن أن طهران تستغل قضايا المنطقة لتحقيق مكاسب إيرانية بحتة.

فإيران لا تملك حدودا جغرافية مع الأراضي الفلسطينية، ولا تساعد على وحدة الفلسطينيين، بل هي عامل رئيسي في الانقسام الفلسطيني، وخير دليل تعنت حماس الأخير تجاه المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية في مصر. كما أن إيران لا تملك حدودا مع لبنان، وتدخلها يأتي دعما لطرف على حساب آخر، وهو حزب الله، الذي ثبت أنه هو من يمنع تشكيل الحكومة اللبنانية اليوم، ويطيل أمد أزمة المواطنين اللبنانيين، كما أنه الطرف الذي يجر لبنان إلى غياهب المجهول.

أما عراقيا فلم يبقَ إلا أن يعلن رسميا بأن إيران هي شريكة الأميركيين في احتلال العراق، وهذا يترتب عليه الكثير، وليس من ضمنه التساهل مع طهران، أو تقديم التنازلات. والأمر نفسه ينطبق على الأوضاع في أفغانستان؛ فالدور الإيراني لا يتسم بأي إيجابية، بل يزيد الأمور تعقيدا. وبالطبع يبقى الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن، وتلك قصة حاضرة، وشواهدها يومية!

وبالنسبة لسوريا فيبدو تصريح البرادعي غريبا، فهل المراد قوله بأن إيران قد تساعد في تغيير المواقف السورية، في لبنان مثلا، أو في عملية السلام؟ أشك! فسوريا تظهر مرونة حول تشكيل الحكومة اللبنانية، وبإقرار اللبنانيين، بينما يقوم حزب الله بالتعطيل، كما أن دمشق مضت قدما في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر تركيا، وهو أمر لم تقره إيران، كما أن العلاقات السورية الأميركية في تقارب مستمر، ولم نرَ لإيران موقفا ايجابيا تجاه التوتر السوري العراقي، بل إن من يسعى للتهدئة هم الأتراك!

ولذا فان الإشكالية في تصريحات البرادعي، ذات الطابع السياسي، أنها توحي بإقرار ضمني لدور إيران في المنطقة، مما قد يدفعها إلى مزيد من التشدد، ومطالبة المجتمع الدولي بتقديم المزيد من التنازلات.

[email protected]