أبو مازن وطوق النجاة

TT

كاد أبو مازن أن يغرق في الموجة العاتية لتقرير «جولد ستون» الشهير، فألقوا عليه «الإعلان المبكر» للانتخابات الرئاسية والتشريعية ليكون طوق نجاة من النوع المزدوج في أهدافه ومراميه، الهدف الأول إنقاذ محمود عباس من مأزق التقرير الحقوقي والذي أمسى عورة يصعب تغطيتها وخرقا يستحيل رقعه، الهدف الثاني حشر حركة حماس في الزاوية وإرباك تصرفاتها ووضعها في مأزق، خاصة أن شعبيتها صارت تتغذى مؤخرا على أخطاء فتح وسوء قيادتها للدفة الفلسطينية، وتقرير «جولد ستون» عثرة شنيعة كادت أن تصيبها في مقتل.

تذكر صحيفة «التايمز» البريطانية والتي خرجت بعنوان «ارتفاع في التأييد الشعبي لحماس في الضفة الغربية» أن هذا التصاعد في شعبية حماس بدأ يقلق إسرائيل والغرب من احتمال تعرض أبو عباس للهزيمة في الانتخابات التي كانت مقررة منتصف العام المقبل في الضفة الغربية، والتي تعد معقلا تقليديا لمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح التي يتزعمها عباس، فكان هذا الإعلان المفاجئ عن الانتخابات وقبل المصالحة الفلسطينية التي ترعاها مصر، وأبو مازن يدرك جيدا أن مثل هذا التوقيت المباغت سيربك حماس والنتيجة المنطقية ممانعتها عن المشاركة فيها وهذا فعلا ما حصل، عندها سيخلو الجو لفتح لتستفرد بالسلطة أربع سنوات أخرى مقصية غريمتها «المشاغبة» حماس من أية مشاركة، وهذا بالتأكيد رغبة إسرائيلية أمريكية تشاركها في الاحتفاء بها أطراف عربية أخرى.

حسنا، لنفترض أن السلطة الفلسطينية بقيادة فتح نجحت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية ووفقت أيضا في القذف بحماس إلى خارج السلطة أربع سنوات أخرى، السؤال الكبير هو: من الذي سيتلقف حماس بعد هذا الاستئصال القسري؟ بالتأكيد قوى التطرف والتشدد في المنطقة والتي لا تريد بها خيرا مثل إيران التي تفرك يديها هذه الأيام فرحا بهذا الإقصاء الفتحاوي، إذ أنه يعني مزيدا من الارتماء في الحضن الإيراني، والكل يعي تماما الأجندة الإيرانية من وراء دعم حماس والتحالف معها، كما أن الكثير يدرك أن الزواج الحمساوي الإيراني زواج «متعة» عابر، لا يمكن أن يستمر لأسباب أيدلوجية وسياسية وجغرافية، ولو أن السلطة الفلسطينية ومعها بعض الجهات العربية أدركت أن تمكين حماس من مشاركة سياسية «معقولة» مع زميلتها فتح من شأنه أن يرخي حبال العلاقة بإيران ثم إضعافها، بل من شأنه أن يجعل خيار «مشاغبة» حماس لإسرائيل مركونا ما دام لها مشاركة حقيقية تتناسب مع شعبيتها وثقلها السياسي والعسكري، ولا تحتاج هذه الفرضية إلى إثبات، فها هي حماس التي تحكم غزة تعيش «مرحلة سلام» فرضها عدم توازن قوى الصراع، خاصة أنها خرجت للتو من معركة مؤلمة مع آلية صهيونية شرسة لا تعرف مصطلحا للرحمة في قاموس تعاملها مع الفلسطينيين.

الأمر الآخر الذي لا بد أن يدركه الساسة الغربيون وحتى القادة العرب أن إمداد جسد السلطة الفتحاوية بأنابيب المغذيات واسطوانات الإنعاش الصناعي لن يفيد السلطة الفتحاوية على المدى البعيد، كما أنه لن يضعف من قوة حماس ولا شعبيتها، والغريب أن قوى التحالف الغربية بقيادة أمريكا لا يبدو أنها تعلمت من الدرس الأفغاني، فكل وسائل التغذية والإنعاش والتنفس الاصطناعي لم تفد كرزاي، كما أنها لم تضعف طالبان، وها هي طالبان هذه الأيام تسرح وتمرح في الساحة الأفغانية وحتى الباكستانية وتنكأ في جرح قوات التحالف وتربك حسابات الدول الغربية، وكل طالباني يقتل تجند بدلا عنه عشرة.